العراق: سيناريوهات شكسبير وهوليوود والاستكبار

TT

من المتوقع ان يسدل الستار قريبا على الفصل الثالث من التجربة الاميركية في العراق، رغم ان المؤلفين الاصليين، الذين يقفون وراءه، آثروا الانزواء خلف الكواليس، في محاولة للتوصل الى ما اذا كانت الحرب ستنتهي نهاية تراجيدية شيكسبيرية، ام نهاية هوليوودية، ام النهاية التقليدية لحكاية اخلاقية موضوعها الاستكبار، وما يترتب عليه من نتائج. يمكن القول ان التجربة الاميركية لها عناصر من هذه الأشكال الثلاثة، ابتداء من الزحف صوب بغداد، مرورا بالفصل الثاني وانتهاء بالتوقعات والآمال التي تبددت. ومع استمرار المأساوية التي تنقل عبر شاشات التلفزيون، تشير نتائج استطلاعات الرأي الى رغبة المشاهدين في خروج أميركا من العراق.

مجلس الشيوخ عبر من جانبه عن انتقاده لإدارة الرئيس بوش الاسبوع الماضي، عندما ناشد البيت الأبيض بجعل عام 2006 «عام تحول مهم باتجاه استكمال ناجح لمهمة أميركا في العراق».

ويعكس التصويت (79 صوتا مقابل 19 صوتا) ضيق الجمهوريين بسياسة ادارة بوش في العراق، قبل عام من انتخابات الكونغرس، إلا ان ذلك يعتبر مؤشرا واضحا، على الصعيدين الخارجي والمحلي، على ان الأشهر القليلة المقبلة ستكون بمثابة مرحلة جديدة في محاولات بوش لاستغلال العراق لتغيير الشرق الاوسط والعالم.

ويدرس قادة عسكريون اميركيون سيناريوهات تشير الى احتمال خفض عدد 30000 ـ 40000 جندي وضابط من جملة القوات الاميركية الموجودة بالعراق حاليا (140000 جندي وضابط). وفي ذات السياق ابلغتني مصادر موثوقة، ان بوش لمح خلال اجتماعات خاصة الى خفض هذه العدد ونسبة مماثلة وسط القوات الأخرى المشاركة في قوات التحالف.

هذه المؤشرات، حول التغييرات المتوقعة، أثارت قلقا وسط قوات التحالف الاخرى. فقد بدأ دبلوماسيون اوروبيون دراسة ما ستواجهه قوات الناتو وقوات التحالف الاخرى من ضغوط جديدة لتحمل الأعباء المالية، وغيرها من الأعباء التي يحاول الاميركيون التخلص منها خلال الفترة الانتقالية في العراق. وربما تعكس زيارة كوفي انان، المفاجئة والقصيرة للغاية، لبغداد قلق المنظمة العالمية بخصوص مطالبتها بلعب دور اكبر في العراق الانتقالي، فيما زار المسؤولون بالجامعة العربية، بعد تردد، بغداد للقاء العديد من المدنيين الذين سيشكلون حكومة جديدة بعد الانتخابات.

ولكن جهود أميركا لإعادة التعمير ونشر السلام لم تتقدم كثيرا او بطريقة ميسرة لتجميع الدعم الذي تسعى اليه واشنطن من الآخرين. وليس من المرجح الحصول على مساعدة في العراق من دول اخرى او من المنظمات المتعددة التي تشعر بأن أميركا تجاهلتها. ويجب على الاميركيين تخليص انفسهم من سيناريو من صنعهم، فالمساعدة القيمة الوحيدة التي سيحصلون عليها ستكون من العراقيين.

ان الادارة والرأي العام الاميركي في حاجة الى القبول والتركيز على هذه الحقيقة، مع انتقال السيطرة من الايادي الاميركية الى العراقية. وهو التغيير الذي يقول مجلس الشيوخ الاميركي انه يجب ان يحدث، وسيبدأ قريبا. وهو يعني ان على الاميركيين البقاء بعيدا عن انتخابات ديسمبر، بدلا من تقديم مساعدات سرية عبر العاهل الاردني او غيره من الوسطاء العرب، كما حدث في شهر يناير الماضي. وهو يعني انهاء الاعمال السرية التي تمارسها وكالة الاستخبارات المركزية على هيئة الاستخبارات العراقية، والتي لا تحصل على تمويل من الحكومة العراقية. وهو يعني العثور على وسيلة لتحويل العراق الى مادة للحوار بدلا من مادة نزاع مع الجارة ايران. والدليل على ان الشرط الاخير ربما يكون ممكنا، بالرغم من زيادة التوتر حول طموحات ايران النووية، هو الرحلات السياسية والواقعية لأحمد الجلبي، وهو اكثر الشخصيات السياسية العراقية المعروفة وبالتالي اكثرها تعرضا للمقت في الغرب.

لقد تلقى الجلبي ترحيبا كبيرا في طهران، بالرغم من انشقاقه عن الاحزاب الاسلامية، التي تدعمها ايران عادة في العراق، وسينافسها في انتخابات شهر ديسمبر. ولاسباب اخرى فإن الرئيس بوش وآيات الله يودون، اذا ما امكنهم ذلك، أن يتحمل رجالهم في العراق المسؤولية بدلا من الرهان على الجلبي.

* خدمة مجموعة كتاب واشنطن بوست ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»