تونس ما قبل المؤتمر: هل كان مخاضا.. أم زوبعة في فنجان ..؟

TT

لم يكن المشهد السياسي التونسي الى ما قبل قمة المعلوماتية هادئا كما عاهدناه في أغلب السنوات. إذ تلبدته بعض الغيوم السياسية المدنية، الشيء الذي أنتج توترا وارتباكا في الأوساط المعنية بالرأي العام التونسي والممثلة للمجتمع المدني فيه.

ويعود التوتر المقصود إلى حركة الإضراب عن الطعام التي انطلقت منذ 18 أكتوبر وأقدم عليها ثمانية وجوه من المجتمع المدني ينتمون إلى قطاعات مختلفة. ولا تزال تداعيات الإضراب المفتوح تتردد في الكواليس السياسية وفي وسائل الإعلام وتلقي بالتالي الأضواء الكاشفة على تونس، خصوصا مع احتضانها للقمة العالمية لمجتمع المعلومات، بحضورها الرسمي وغير الرسمي المكثف.

فكيف برر المضربون حركتهم هذه، وما هو موقف النخبة السياسية الحاكمة من هذه الخطوة الاحتجاجية العالية النبرة؟

ترى السلطة أن هذه الحركة مقصودة ومبالغ فيها وتسعى إلى تشويه صورة تونس واعتبرت الإضراب شكلا من أشكال الغوغائية و«الديماغوجية» ووصفت المضربين بـ «المناوئين». وفي المقابل ترى أطراف المعارضة الراديكالية التي تسانده أو التي قامت به (الإضراب عن الطعام المفتوح) فيه أمرا مشروعا، ما دامت السلطة ترفض إطلاق عقال الأوضاع السياسية في تونس، كما تقول. وتتلخص المطالب في الدعوة إلى الاعتراف بكل الأحزاب والجمعيات غير المرخص لها.

وبعيدا عن هذا الاستقطاب الثنائي والتجاذب السياسي الذي تتداخل فيه عدة أشياء، فإن الثابت أن ما تحقق في تونس من انجازات اقتصادية واجتماعية من شأنها أن تحصن السلطة، إذا ما قررت الانفتاح أكثر في الجانب السياسي خصوصا أن النخبة التونسية على مدى تاريخها معروفة بالاعتدال وأن المجتمع التونسي محصن بفضل تكوين تاريخي وثقافي وديني ضد كل أنواع الانفلات والتطرف، إضافة إلى أن تونس قد استوفت ومنذ سنوات بعث كل المؤسسات الدستورية اللازمة وخلق فيها مجتمع مدني متنوع، وتدور وتتبارز فيها أفكار إصلاحية متعددة ومتنوعة يتسم أغلبها بالانفتاح والاعتدال.

وحتى الخطاب السياسي الرسمي، إذا ما قمنا بتحليل مضمون لمقولاته وأطروحاته، فإن التحليل سيقودنا إلى ملامسة نضج الخطاب وانفتاحه. ويتمظهر ذلك في الدعوات المتلاحقة والمستمرة بتطوير الإعلام وإصلاح الخطاب السياسي، وفتح أفق للأحزاب المعارضة، كي تكون موجودة في الحياة السياسية بشكل أقوى وتمكينها من حصة في المقاعد البرلمانية والمجالس البلدية.

لذلك فنحن لا نبالغ إذا قلنا إن القراءة الموضوعية للخطاب السياسي المنطوق تشير إلى نضج في الرؤية السياسية وتشجيع على إحداث رصيد حقوقي نوعي. دون أن ننسى أن بعد تونس عن مناطق الصراع والتوترات وحيازتها على ثقة المجتمع الدولي كدولة استطاعت منذ الاستقلال أن تحقق إنجازات كثيرة وأن تحافظ على علاقات سليمة مع أوروبا والولايات المتحدة أو الصين، رغم ما يتطلبه ذلك من جهد سياسي لم توفق فيه عدة دول أخرى ونجحت فيه تونس.

ولعل هذا المعطى الإيجابي والقدرة على تحييد الموقف الرسمي للقوى الدولية، يجعل كل الظروف ملائمة، كي تخوض تونس مغامرة الانفتاح السياسي دون خوف أو شك فيما يمكن أن تنتهي بهذه «المغامرة».

ويردد المراقبون للفعل السياسي في تونس أن هذه الأخيرة ترفض من جهة الركود السياسي بدليل أنها في السنوات الأخيرة أصدرت مجموعة من القرارات السياسية المهمة في إطار بناء الأسس الأولى للممارسة الديمقراطية، ومن جهة أخرى يتوقفون عند ظاهرة لافتة تتمثل في رفض النخبة السياسية الحاكمة للدخول في مغامرة سياسية انفتاحية أكثر من اللازم، مجهولة العواقب والنتائج كما تقول السلطة. في حين ترى المعارضة الراديكالية بالمقابل أن النظام لا يمكن أن يخشى من أي مغامرة على الأقل نظرا لقوته في امتصاص أمر لم يحدث ولن يحدث. وبالتالي فهي تعتبر أن التسريع في نسق التفتح السياسي يجب أن يكون في وتيرة أكثر حركة. ويضيف المعارضون أن التحجج بوجود أحزاب معارضة أخرى تساند السلطة في كل شيء يلغي دور هذه الأحزاب في القيام بما هو مطلوب منها والاضطلاع بالوظيفة النقدية الملازمة تاريخيا لدور المعارضة.

ولكن الإشكالية التي تبرز في هذا الصدد هو أن المعركة الحالية بين الطرفين، ليست حول برامج وتصورات اقتصادية أو اجتماعية، إنما حول تصورات سياسية حقوقية. ومهما كان الموقف من هذه المعركة إلا أنها أنتجت سؤالا حول ضرورات أن يواكب الإصلاح السياسي في منجزاته ما أنجز في الحقول الاجتماعية الأخرى.

وبالنظر إلى تاريخ تونس، نرى أن فكرة الإصلاح فكرة عريقة بدأت في تاريخ تونس الحديث.

والسؤال الذي يؤرق الآن الطرفين أي الموالاة والمعارضة، هو ما ستتمخض عنه هذه الأوضاع المتمثلة في الإضراب عن الطعام وتبعاته، بمعنى هل سيكون مجرد زوبعة في فنجان كما يتمنى البعض وكما حصل في مناسبات سابقة، أم أنه سيكون قادرا على تشكيل منطلق لأسلوب سياسي جديد للأطراف التي ترى أنها استوفت حوارها مع النظام وانتقلت إلى المواجهة عن طريق توظيف الجسد من خلال الإضراب عن الطعام.

في الحقيقة لا توجد أية مؤشرات اجتماعية أو حتى سياسية، تشير إلى الحسم في الجواب وتجعلنا نجزم بأن النهاية ستكون على هذه الشاكلة أو تلك.

[email protected]