ليالي القاهرة

TT

كيتكات كيتكات محكمة.... ياللا ياللا ياللا... يتدافع دبيب الاقدام وتتصادم اجساد طمعا في مقعد في الميكروباص الذي حددت الحكومة سعره بجنيه ونصف. الزحام مروع والمارة يهربون بقدرة قادر من عجلات السيارات التي تزأر وتتلوى في زحام الشارع الكائن تحت كوبري اكتوبر في ليل القاهرة. حديث الناس هو فوز الاهلي وحكايا الانتخابات. سائق السيارة التي نقلتني الى حي المهندسين يعجب لماذا تغيظ مكاسب الاخوان المسلمين في الانتخابات بعض الناس ويقسم انه مستعد لانتخاب اي شخص حتى لو كان عفريتا من الجن اذا استطاع ان يخرجه من دائرة الغلب الاقتصادي والاداري التي يعيش فيها يوما بعد يوم. احاول ان افتح حوارا معه فاقول ان العملية الانتخابية يجب ان تقوم على العقل لا الانفعال. أقول للسائق ان هناك اشياء جميلة تميز الحياة في القاهرة عن الحياة في اي مكان آخر على الارض.

سيارات التاكسي في القاهرة ذكرتني براقصة مشهورة لمع نجمها في الاربعينات والخمسينات وشكلت مع مطرب العواطف ثنائيا فنيا امتع الملايين. تلك الراقصة اضطرت قبل وفاتها بفترة وجيزة للرقص في النوادي الليلية بعد ان تجاوزت سن التقاعد بكثير من اجل لقمة العيش. سيارات التاكسي هنا ترزح تحت اعباء السنين وتتأرجح بين اليأس والرجاء. اسأل السائق على استحياء لماذا لا نرى تاكسيات جديدة في الشوارع فيؤكد ان الحكومة لا تصدر تصاريح جديدة لأن عدد السيارات المرخصة كبير والزحام لا يسمح بالمزيد. وقد بلغت اسعار ارقام سيارات التاكسي التي تباع في السوق السوداء اثني عشر الفا من الجنيهات. اسأله لماذا لا يستبدل السائق سيارته العتيقة باخري جديدة؟ يضحك بمراراة قائلا ومن اين له ثمن السيارة الجديدة؟ الاجرة التي يحددها العداد تقل بكثير عن ثمن البنزين وصيانة السيارة ورغبة السائق في ان يطعم اولاده. الحكومة لا تريد ان تصحح الوضع ولذلك فالامر متروك لكرم الزبون. وليس كل من يركب التاكسي كريما. ولو نشب شجار على الاجرة وتدخل البوليس يكون مصير السائق الغرامة او الحبس. اصمت خجلا. افاجأ بالسائق يتناول حبة من العلك المسكر بيد ويقدم لي قطعة باليد الاخرى.

اتحسس بيدي جبيني لأنني اشكو من صداع الرأس فيخبرني السائق بأن الصداع وارد في هذا الوقت من العام لأنهم يحرقون قش الارز في الارياف فيسافر الدخان الى سماء القاهرة. يسحبني زوجي الى مساحة اخرى من الحديث فيسألني ان كان من اللائق ان نشتري بعض الحلوى لاصدقائنا الذين دعينا لتناول العشاء في بيتهم. تتوقف السيارة ويهبط زوجي امام الحلواني ويعود حاملا التورتة. اتململ في مقعدي لأنني على يقين من ان ثمن التورتة يوازي ستة اضعاف اجر السائق. محلات الحلوى في القاهرة تذكرني بانطباعي الأول عن المدن الانجليزية حين حطت بي ظروف الدراسة في احداها. ادهشني ان في كل شارع وفي كل حارة محلا يبيع الخمور. وهنا في القاهرة بين كل صف من المحلات التجارية التي تبيع لوازم الحياة يوجد محل الحلواني. واحاديث الصالونات لا بد ان تلمس هذا الجانب من الحياة فتسمع اعجابا بتورتة الشكولاته التي يبيعها كرنفال والكنافة بالمانجو التي يبيعها سيدار وان الميل فوي الذي يصنعه حلواني البارون لا يضاهيه آخر.

والغرام بالحلوي ليس هو الغرام الوحيد في الحياة القاهرية. فالقاهري مغرم بالكلام في السياسة والدليل على ذلك ان مضيفنا يسأل زوجي هل قرأت ما كتبه محمد سيد سعيد في الاهرام عن سورية؟ لقد حدد ثلاثة سيناريوهات محتملة احلاهما مر. لقد اصبحت سورية محاصرة من كافة الاتجاهات... انسحب الى عالمي الخاص خوفا من ان ينفجر الصداع الى ما هو اسوأ بكثير. لا اشترك في الحوار ولكني انوي ان اطلب نسخة من المقال لكي اقرأه على مهل.