عفوا يا آدم

TT

رنة واحدة على هاتفي الخلوي وانقطع الرنين، بقي بعدها ذلك الرقم الدولي معلقا على شاشة الجهاز ينتظر السقوط كتفاحة «نيوتن»، لولا أن أنقذته «لقافتي» حين قررت الاتصال بذلك الرقم الغريب لعل أحدا أعرفه من سكان هذه الكرة الأرضية فأتقاسم معه فاكهة الثرثرة وحلوى الكلام.

وبعد التحية والرد بمثلها بدأ الرجل العزف:

ـ «أخوك أدم من دولة (....) بأفريقيا، أحمل لك أخبارا طيبة وبشائر مفرحة».

وكنت أتوق إلى قليل من الفرح فكاد آدم أن يشعل دمي:

ـ عجل بها يا آدم.. هاتها.

تنحنح آدم وهو يدق بكلماته على طبلة الأذن:

ـ «عروس جديدة».

وكانت زوجتي بالقرب مني، فصحت من خوفي قائلا:

ـ أقفز هداك الله يا آدم للصفحة الثانية.

ـ «ومنزل جديد في مدينة جديدة»

ـ ومن سيهدهد جدة في المساء إن رحلت عنها يا آدم، فهي تنام في أضلعي؟!

ـ «هل يمكن أن ترتب لي تأشيرة عمل للقدوم إلى جدة لمساعدتك في الكشف عن كنزك؟»

ـ أصلح الله وزير العمل، لقد صعب قضية الاستقدام، حتى لأصحاب التخصصات النادرة من أمثالك

ـ «إذا كيف أساعدك عن بعد؟»

ـ على طريقة نجاة الصغيرة «البعيد عنك قريب»

ـ «ومن الصغيرة هذه؟»

ـ علمي علمك.. هم ينعتونها بالصغيرة منذ أكثر من نصف قرن.

ـ «دعني أتحدث معك بجدية.. أنت في حاجة إلى نصف جرام من الزئبق الأحمر للحصول على كنزك»

ـ لا بأس.. ولكنني أريد زئبقا أخضر، فأنا أهلاوي الهوى.

ـ سوف يكلفك ذلك الكثير من المال

ـ يمكنك أن تقيده على الحساب يا آدم

ـ «أتهزأ بي؟»

ـ بقدر محاولة استغفالي.

وفجأة مات الحوار، وبقيت في مكاني أضرب أخماسا في أسداس، وأنا أفكر في حظ آدم التعيس الذي أوقعه في اختيار رجل رأسماله كومة من ورق الجرائد، وقد جرب حظه مع الكنوز منذ ذلك اليوم البعيد الذي تناثر فيه الذهب مع أنقاض أحد البيوت العتيقة في مدينة جدة، وكنت يومها طالبا في المتوسطة، فهربت من المدرسة لأجرب حظي مع الباحثين عن أجل معدن في الوجود، فكانت الصرخات تنطلق من هنا وهناك، في كل مرة يعثر فيها أحدهم على سبيكة ذهبية أو حلية ثمينة، إلا أنا فلقد كان نصيبي من البحث قبض الريح، ومن يومها قررت أن أقاطع كل كنوز الأرض، واكتفي بمطالعة قوائم أثرياء العالم التي تنشرها الصحف كل عام لأتأكد أن اسمي ليس مكتوبا.

[email protected]