خلني افهمك!

TT

هذه العبارة هي أطرف وأوقع عبارة سمعتها خلال إحدى جلسات حوار المركز الوطني للحوار، كانت بعنوان «نحن والآخر»، قالها الكاتب المعروف وعضو مجلس الشورى محمد القنيبط، في تعليق له عن نمط الحوار لدينا مع الآخر حيث قال: «حين تسمع أحد يحاورك ويقول لك عبارة «خلني أفهمك»، فأنحاش ـ أي أهرب ـ فهذا الشخص بدأ يرسل ولا يستقبل»!.

ولو أردنا توصيفا لنمط الحوار الذي يحاول البعض تقريره كنمط نموذجي للحوار مع الآخر لما وجدنا وصفا أبلغ من وصف «خلني افهمك»!.

فالرجل معك لا يضع أمامك غير خيار واحد «حتفهم يعني حتفهم بالطيب بالغصب» ستفهم!.

هذا النمط من الحوار رأيته وسمعته كثيرا ممن حاول طرح وجهة نظره من زاوية واحدة، زاوية «أنا الآن هنا»، دون النظر إلى أنني غدا هناك، بمعنى آخر دون أن يكون في محل المثل القائل «ضع قدمك في حذاء الآخرين فإن آلمك فهو يؤلمهم».

هؤلاء يصرون على أن يطلقوا في الحوار مع الآخر أحكاما قيمية تقرر أن الآخر هو «الأدنى، الضال، ويصر على قبول هذا الواقع كنتيجة نهائية للحوار مع الآخر، ولو طرحت عليه سؤالا ماذا لو كان هو يوما ما «الآخر» هناك، في مجتمع الآخر، حيث لا يمثل هو «المسلم» سوى مليار وسط ستة مليارات على الأرض، أي بنسبة السدس، فماذا يجب أن يكون عليه الحال؟

ستجده يطالب بكافة الحقوق الدينية والقانونية والاجتماعية والأدبية، ولسمعت منه عبارات غريبة عن قاموسه كان يرفض استخدامها حين يكون غيره الآخر، مثل حق ممارسة الشعائر، وحق منح رخص لجمعيات إسلامية، وتسهيل النشاطات، وممارسة الدعوة لدينه، وتوزيع الكتب، وارتداء الزي الإسلامي، ولاعتبر أي محاولة لمنعه حقا من حقوقه ولو خالفت قانونا وضع منذ تأسيس الدستور الوطني، يستهدف النيل من الدين والمتدينين، ولسمعت عبارات مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، واحترام الأديان.

وسيعتبر من يصفه بوصف يشابه وصف الأدنى أو الجاهل أو أنه على باطل أو كافر سبه يجب الاعتذار عنه، وأنها حملة شرسة ضد الإسلام والمسلمين، ولسمعت عبارة أخرى أسمها الكيل بمكيالين، ولا تدري لماذا يصبح تغيير الكيل هو القاعدة لديه. أحد أصحاب الكيلين قال: إنا مقتنع بأن وصف الآخر بالكافر ليس سبه، بل وأسافر لبلد الآخر وأناقشه وأحاججه في خصوصياته بل وفي أخص خصوصياته، وأشير عليه بخطئه، وأحثه على التخلي عن موقفه الخاطئ، وأرشده للصواب ـ لم يبق إلا أن يقول وأذبحه أن لم يقتنع ـ ثم يقول ومع هذا فأنا لست بإقصائي، هذا هو نوع «خلني افهمك!».

[email protected]