عقلية بقالين

TT

كان والد مارغريت ثاتشر بقالا في شمال لندن، وأصبحت ابنته اشهر وربما اعظم امرأة في تاريخ بريطانيا بعد الملكة فيكتوريا، صاحبة عصر العمار والبناء والادارة الامبراطورية. ولكن فرنسوا ميتيران، ثعلب فرنسا التاريخي، سوف يظل يشير الى «عقلية البقالين» في تعامله مع السيدة الفولاذية عبر بحر الشمال، او «القنال الانكليزي»، وعندما شنت بريطانيا الحرب على الارجنتين للابقاء على جزر الفولكلاند، رأت ثاتشر ان الصواريخ الفرنسية الصنع «اكزوسيت» تهدد التفوق البريطاني. وقالت ثاتشر للزعيم الفرنسي: اما ان تعطينا شيفرة «الاكزوسيت» واما ان ندمر مدينة كوردوبا الارجنتينية بالسلاح النووي. وقرر ميتيران، بعكس مشورة مساعديه، ان يعطي ثاتشر السر الذي يحول الصواريخ القاضية الى لعبة مفرقعات!

هذا جزء من اعترافات ميتيران الى طبيبه النفسي الدكتور علي معقودي، الذي كان يحادثه، طوال عقد، في كل الازمات السياسية التي تواجهه.

وطلب اليه ان ينشر هذه المحادثات في كتاب بعد عشر سنين على وفاته. وبرغم عشرات الكتب التي صدرت عن ميتيران، فإنني اعتقد ان هذا سيكون اهمها. هنا، نجد الرئيس الفرنسي الغامض وصاحب الحيوات السرية، مستلقيا على كرسي الاعتراف في عيادة نفسية. هنا «يعترف» لطبيبه بأن الاليزيه صغير عليه ويريد ان ينقل قصر الرئاسة الى «الانفاليد» حيث يكون على مقربة من بطله التاريخي، نابوليون. وهنا يعترف للدكتور علي، بأنه هو، فرنسوا ميتيران، الذي «فبرك» الهجوم المزيف على نفسه يوم كان وزيرا للداخلية في الخمسينات.

وعلى هذا المقعد الاسترخائي، يقول للطبيب، بأن له ابنة غير شرعية تدعى مازارين. وعلى هذا الكرسي، يتحول خلف ديغول، الى رجل عادي مرتعد، يخاف الموت، ويطلب المساعدة والشجاعة من طبيب مجهول، لا يثق به ايضا: «لقد قيل لي ان الاطباء النفسيين لا يكتمون سرا ويثرثرون بكل ما يحلفون عليه. لكن انت، انت لن تفعل ذلك. ليس قبل عشر سنوات من الوفاة».

وذات ليلة يفتح الدكتور علي مسجله الهاتفي فيجد ان الرئيس الفرنسي قد ترك رسالة بصوته عن آلام الامعاء التي عانى منها الليلة الماضية: «هل حقا كل ذلك لأسباب نفسية»؟ وقال مرة للطبيب «سوف نضم الجزيرة الى القارة رغما عنها. سوف نحفر تحت البحر ولن تعارض ثاتشر لأننا سنقول لها بأن ذلك لن يكلف بريطانيا قرشا واحدا. وبسبب عقليتها البقالية فإنها سوف تقبل».