أغرب من الخيال

TT

حتى لا أطيل عليكم السالفة (وحدة مستعجلة)، في أحد الأيام تنقلت عبر ايطاليا مستخدمة القطار، وقطارهم غريب جدا، بل في غاية الغرابة، ليس فقط في نظافته وأناقته وحداثته، بل إنه حين يكتب على البطاقة أن القطار يتحرك في الساعة الثانية عشرة ظهرا، فإن عجلاته تتحرك بالضبط في الثانية عشرة ظهرا.

وكم مرة وجدنا أنفسنا أنا وعائلتي، وهذا المشهد يتكرر كثيرا نشهق ونسمي: «باسم الله الرحمن الرحيم»! موقنين بأن شركة النقل الإيطالية لا بد أنها تستعين بقوى غير مرئية تجعل كل محاولة بشرية لتأخير تحرك القطار فاشلة، كانتظار راكب من النوع الثقيل، أو ممن لديه واسطة، وما شابه من سلطات البشر التي لا يستطيع التصدي لها موظف يطمح أن يأكل عيشه بسلام.

لكن هذا لم يكن هو أغرب حلقة في مسلسل أغرب من الخيال، بل أغربها قصة حين وجدنا أنفسنا وقد غيرنا خط سيرنا لظرف قاهر، فاشترينا تذاكر جديدة، غير التي لدينا، سألت زوجي وأنا أهبط من آخر محطة لنا، وفي يدي البطاقات التي لم نستخدمها وقد دفعنا ثمنها:

ـ لماذا لا نجرب أن نعيد البطاقات ونستعيد المبلغ؟

قال لي زوجي كعادته في تمييع الأشياء..

ـ يا بنت الحلال وسعي صدرك!

قلت فلنجرب لن نخسر شيئا!

ويا لهول ما رأينا، وقفت أمام الصندوق وقلت كلمتين، بعدها أخذ الموظف مني التذاكر وأعاد لي المبلغ وأعطاني لأوقع على ورقة تسلم المبلغ، ويا دار ما دخلك شر.

في هذه المدن السحرية، رغم أنهم لا يعترفون بالسحر والجن والتعاويذ، أمورهم تمشي كالساعة ولا يهضم حق زبون، بحجة أن دخول المال في الصندوق ليس كخروجه، لكن الله المستعان.

أرسل لي قارئ سوداني كريم قصة عربية مناقضة، عن تفشي البيروقراطية اسمها (إدارة عموم الزير)، التي لم يبق مكان لنشرها، فأنا منذ البداية قلت لكم إنني مستعجلة، لكن ما لا أستطيع أن أفوته هو قصة بناته اللاتي فقدن شهادة الثانوية من مدرسة ثانوية سعودية من المدارس الأهلية الفاخرة، التي توجع أقساطها الجيب والقلب معا، وحين ذهابه للسودان لتسجيلهن في الجامعة فقد الرجل الشهادات هناك، عاد للسعودية محاولا إخراج بدل فاقد، طلبت منه إدارة التعليم هنا أن ينشر عنها (إعلانا في الصحف)!

قال لهم إنها فقدت في السودان. قيل له إذن انشر الإعلان في السودان، وراجعنا بعد ثلاثة أشهر، مما يعني أن التسجيل في الجامعة السودانية وفي أية جامعة في العالم سينتهي وستبدأ الدراسة. وسيذهب الفصل الدراسي كله على بناته! ماذا يعمل المسكين فهو عربي ومؤسساتنا العربية لا تستخدم قوى خارقة، كما يحدث في مدن أغرب من الخيال!

[email protected]