حان وقت الرحيل

TT

لم يمض وقت طويل على تلك النصيحة التي قدمها اشخاص يتسمون بالحكمة لنا، نحن الذين كنا نجادل منذ عام 2003 بأن حرب العراق قامت على اساس زائف، فقالوا : تخلوا عن ذلك. وقالوا ان انتخابات عام 2004 أظهرت اننا لم نتمكن أبدا من إقناع الشعب الأميركي. وأشاروا الى ضرورة ان نتوقف عن الحديث حول كيفية دخولنا العراق، والتركيز بدلا من ذلك على ما يتعين ان نفعله بعد ذلك.

وتبين ان اولئك الحكماء كانوا على خطأ. فأغلبية الأميركيين يعتقدون الآن بانه جرى تضليلنا في الذهاب الى الحرب. فخطاب النائب جون مورثا الداعي لرحيل سريع من العراق كان مليئا بالمشاعر، ولكنه كان ايضا جادا ومحددا بطريقة نادرا ما نراها لدى الرئيس بوش وأنصاره الذين يتحدثون بعموميات مبهمة، حول مواصلة الطريق ذاته وإنهاء المهمة. ولكن مورثا تحدث عن تصاعد في أرقام الضحايا وعزوف عن التجنيد وتزايد في وتيرة هجمات المتمردين، وركود في انتاج النفط، وافتقار الى المياه النظيفة، مجادلا بأن وجودنا في العراق يجعل الأمور أسوأ لا أفضل. وفي غضون ذلك فان الحرب تدمر الجيش الذي يحبه. وذلك هو السبب الذي يدفعه الى الدعوة بأن نرحل بأسرع ما يمكن .

وبوسعي ان اضيف بأن الحرب تدمر، أيضا، سلطة اميركا الأخلاقية. فعندما يتحدث بوش عن حقوق الانسان فان العالم يفكر بأبو غريب. (في خطابه أشار مورثا الى ما هو واضح: التعذيب في أبو غريب ساعد على إذكاء التمرد) وعندما يتحدث مسؤولو الادارة عن نشر الحرية فان العالم يفكر بواقع أن الكثير من العراق يحكمه الآن رجال الدين ومليشياتهم.

كان على المدافعين عن سياستنا الحالية طرح حجة تتلخص في اننا لا نستطيع الانسحاب من العراق الآن، لأن حربا اهلية قد تندلع هناك في حال انسحاب القوات الاميركية. وأول القول هنا إنهم كان ينبغي ان يفكروا في هذا الاحتمال عندما قادونا في البداية الى هذه الحرب. اما الآن، فإن السؤال الحقيقي هو: متى سيأتي الموعد المناسب على وجه التحديد للخروج من العراق؟ الحقيقة تتلخص في ان أميركا لن تظل في العراق الى حين انتصارنا، بصرف النظر عما يعنيه ذلك في هذا السياق. سنبقى في العراق، على الأكثر، الى ان تشعر قواتنا انها لا يمكن ان تتحمل اكثر مما تحملته.

لم يطلب بوش من الشعب الاميركي تضحيات تجعل من الالتزام تجاه العراق على المدى الطويل احتمالا واردا، سواء كانت هذه التضحيات في شكل ضرائب مرتفعة، او عدد اكبر من القوات، او عودة نظام الخدمة العسكرية الإلزامية. بدلا من ذلك خاضت أميركا الحرب اعتمادا على اقتراض المال والوقت على حد سواء. لم يعد هناك وقت كاف، كما ان جيش الاحتياط الذي ورثه بوش يواجه خطر الانهيار مثلما حدث مطلع عقد السبعينات. لذا، فالمسألة لم تعد تتعلق بما اذا سيكون الوضع سيئا في العراق عقب خروج قواتنا. ربما تسوء الأحوال هناك، لأن السؤال المهم يكمن في جدوى ومعنى استمرار الحرب عاما او عامين آخرين.

يرى المتشائمون أن العراق سيسقط في مستنقع فوضى متى ما خرجت قواتنا منه. اذا كان الأمر كذلك، فمن الأجدى لنا ان نغادر عاجلا وليس آجلا.

يمكن الدفاع عن الحجة القائلة بأن خروجنا سيحسن الأوضاع. وكما أشار، مورثا، في حديثه فإن التمرد في العراق يستمد جزءا كبيرا من الدعم من التصور بأنه يقاوم محتلا اجنبيا. اذا غادرت أميركا، فالاحتمال الأرجح هو ان يشن العراق، الذي لم يعرف عنه تطرف ديني، حملة على المتطرفين الأجانب مثل الزرقاوي.

السبيل الوحيد لتبرير بقاء القوات الاميركية هو محاولة إقناع الرأي العام بأن بقاء هذه القوات هناك سيؤدي الى حدوث تطور ايجابي. لا اعتقد ان بوسع الادارة الاميركية إقناع الآخرين بهذه الحجة. لذا، فإن مورثا على صواب: حان الوقت لمغادرة العراق.

* خدمة «نيويورك تايمز»