شارون بعباءة الحزب الجديد.. هل من جديد..؟!

TT

ما من شك في أن رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون، هو ليس شارون نفسه الذي عرفناه قبل خمس أو حتى ثلاث سنوات. فانسحابه من قطاع غزة واقدامه على اخلاء وتصفية جميع المستوطنات هناك، واعلانه عن الاستعداد للانسحاب من مناطق أخرى في الضفة الغربية، وازالة أربع مستوطنات يهودية هناك، وتصريحاته حول ضرورة انهاء الاحتلال الاسرائيلي في مناطق فلسطينية، وخطابه في الأمم المتحدة حول حق الفلسطينيين في وطن قومي، كل هذه اشارات تدل على انه لم يعد ذلك الجنرال اليميني المتعصب، الذي لا يفكر إلا في قيادة إسرائيل إلى الحروب العدوانية، وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.

هو شارون جديد، نسبيا.

والسؤال هو: هل هذا الجديد سيبقى جديدا، مع الانشقاق عن حزب الليكود، الذي أسسه قبل أكثر من ثلاثين سنة؟ وهل هذا الحزب قادر على الفوز في الانتخابات القادمة، ومواصلة التقدم في المسيرة التي بدأها شارون؟ والى أين يمكن لهذا الحزب أن يصل في هذه المسيرة ؟ هل يكون هو المفتاح لإنهاء الصراع في المنطقة؟

للرد على هذه التساؤلات، لا بد أولا من الاشارة الى ان شارون لم يكن ليغير في سياسته ونهجه، لولا نشوء ظروف داخلية وخارجية تدفعه الى ذلك دفعا. فأولا، ان النهج الذي يقوده، تم بالتنسيق مع الادارة الأميركية. فهذه الادارة تنظر الى الشرق الأوسط كرزمة مصالح متشابكة، من ايران الى المغرب ومن العراق الى مصر، ولا ترى مصلحتها مقتصرة على الصراع الاسرائيلي العربي. ومقابل التوتر الدائم في العراق تريد هدوءا في المنطقة الفلسطينية يخلق التوازن في المنطقة. وثانيا هناك تطورات مهمة في الجانب الفلسطيني، خصوصا بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات وانتخاب الرئيس محمود عباس، مكانه. فكل المحاولات الاسرائيلية لجعل أبو مازن في وضعية عرفات قد فشلت. وأصبح لا بد من التعاطي مع الخطاب الفلسطيني الجديد الذي يقابل بالتقدير من الغرب. وثالثا، وهو الأهم، فإن النهج الجديد الذي يقوده شارون، يلقى تأييدا واسعا جدا في المجتمع الإسرائيلي. بل انه نابع من الموقف الجماهيري العام في اسرائيل، الذي تفيد كل استطلاعات الرأي بأن %58 منه مستعدة لانسحاب اسرائيلي الى حدود في ضواحي حدود ما قبل حرب حزيران 1967 واقامة الدولة الفلسطينية عليها. وهؤلاء يربطون بين السلام مع الفلسطينيين، وبين تحسين الوضع الأمني والاقتصادي.

هذه الظروف تحتاج الى قائد اسرائيلي يتمتع بالقوة وبالثقة بالنفس لكي يستثمرها، ويحسن بها مكانته الشخصية ومكانة اسرائيل الاقليمية والدولية. وشارون يشعر بالنشوة، كلما يربطون اسمه بهذه الصفات. ولهذا، فإن احتمال أن يواصل مسيرة التغيير في سياسته الشخصية، وفي السياسة الاسرائيلية كبير، خصوصا إذا استمرت تلك الظروف ـ الدولية والفلسطينية (والعربية أيضا) والاسرائيلية الداخلية.

والسؤال التالي هو: هل يضمن شارون الفوز، أم أن ما أصاب أحزابا أخرى قامت في اسرائيل في الماضي، على أسس مشابهة (الانشقاق عن الحزب الأم وتشكيل حزب انتخابي جديد) واندثرت بسرعة، سيصيبه؟

في الواقع ان احتمال فشل شارون وارد جدا، لكن احتمال نجاحه وارد هو الآخر. والأمر يتعلق بعدة عوامل، بعضها مرتبط بشارون وبعضها مرتبط بخصومه، وبعضها منوط بتطورات الأحداث نفسها. فيما يتعلق بشارون، ينبغي ان يحافظ على الصفات التي جعلته يتمتع بهذا القدر من التأييد الشعبي، الذي لم يسبق وأن حظي به رئيس حكومة آخر في تاريخ اسرائيل. وأهمها: الثقة بالنفس، الايحاء بالبأس والقوة الشخصية كجنرال سابق قادر على الحرب «دفاعا عن اسرائيل» (حسب المفاهيم الاسرائيلية)، وقادر على صنع السلام بنفس القوة، تشكيل حزب من شخصيات مماثلة تتمتع بصفات مماثلة (وقد بدأ بذلك عندما اختار الى جانبه رئيس المخابرات العامة السابق آفي ديختر، ورئيس جامعة بئر السبع برافر مان، ووزير المواصلات مئير شطريت وغيرهم)، وبقي محافظا على العلاقات الدولية الجيدة، كما هو حاله اليوم، وعرف كيف يتجنب الانجرار وراء الحملات الانتخابية التي سيحاول فرضها خصومه.

كما ان الأمر يتوقف على هوية الشخصية التي ستنتخب لقيادة الليكود، حزبه الأم الذي انسحب منه وتسبب في تمزقه. فإذا انتخب لرئاسته بنيامين نتنياهو، فستكون المعركة الانتخابية شرسة وسيحاول الليكود التركيز على نقاط ضعف شخصية لدى شارون مثل الفساد، الذي تورط فيه هو وأولاده، والدكتاتورية في أسلوب الحكم، حيث ان شارون لا يخفي رغبته في تحويل اسرائيل الى النظام الرئاسي، ويشكو باستمرار من قيود الديمقراطية.

وهناك الأحزاب الأخرى المنافسة التي تحاول طرح أجندة أخرى على المعركة الانتخابية الاسرائيلية.

وهناك الساحة الميدانية للعلاقات الاسرائيلية ـ الفلسطينية المؤثرة بشكل كبير على الوضع الداخلي في اسرائيل. فإذا وقعت عملية أو عمليات تفجير في اسرائيل، أو تم قصف اسرائيل بالصواريخ من غزة أو لبنان، فإن كل من يطرح خطابا سلاميا في المعركة الانتخابية الاسرائيلية، سوف يخسر كمية كبيرة من الأصوات.

* مراسل «الشرق الأوسط» في تل أبيب