.. بل رحم الله الشهداء

TT

«صحب الناسُ قبلنا ذا الزمانا وعناهم من شأنه ما عنانا..»

والبقية في ديوان المتنبي..!

فناننا العربي العظيم مصطفى العقاد، كان يحلق من خارج أرض «العروبة» بكل ما هو حاضن لفائدة «العروبة»، وعائد بالخير «لحق العروبة». لم أسأم لحظة وأنا أشاهد «الرسالة» في نسختيه، العربية والإنجليزية، و«عمر المختار»، على الرغم من أنني لم أطق من قبل مشاهدة أي فيلم تاريخي أو ديني، لكثرة الركاكة، وتزاحم الأخطاء، ومبالغات النبرة العالية، التي تحاول أن تغطي بالجعجعة على ضعف المنطق وتهافت الحجج.

كان السر عند مصطفى العقاد هو الإخلاص، والإيمان العميق برسالة الإسلام، ورسالة المقاومة الباسلة ضد المحتل، التي استشهد عمر المختار في سبيل رفع رايتها. وكان السر، مع الإخلاص والإيمان، هو مهارة المعرفة والقدرة على توظيفها بكل ذبذبات الفن، والدقة والجدية والبشاشة.

في تلك المذبحة المروعة، التي كان مصطفى العقاد وابنته من ضحاياها، كان هناك شهداء من فلسطين من ذوي المواقع السياسية والعسكرية الحساسة، وكانت هناك عائلة من فلسطين، تجمعت من كل أطراف الدنيا لتحتفل بعرس ابنائها. لم تغفل عيني عن الخبر الذي نشرته الجريدة الصهيونية، «ها آرتس»، يقول إن مسؤولاً أمنياً قام بإجلاء مجموعة من رعايا الكيان الصهيوني، إسرائيل، عن الفنادق المستهدفة قبل انفجارها بساعات قليلة.

تأملت الخسارة التي نجمت عن الانفجار: كلها خسائر عربية إسلامية فلسطينية، ثقافية وفنية وسياسية وإنسانية، فمن يمكن أن يكون الفاعل سوى الذي تعمد أن ينقذ الأعداء ليكون الضحايا وحدهم من أنفسنا؟

يقولون إنهم من العراق؟ وأقول: هذا لا يمكن، حتى ولو لبسوا العقال وتسموا محمد وأحمد ومحمود.

ثمة مغالطة ما، ثمة خديعة ما، ثمة تلفيق ما، ولا بد من فك الالتباس وكشف الماوراء لتبدو «الحقائق»، وكفانا استدراجاً إلى المتاهات. وفي كل الأحوال فإن من فعلها صهيوني، أو عميل، أو مسحوب أعمى إلى فخ هلاكه وهلاك أهله.

وبينما يذكر الراصدون لمصطفى العقاد التزامه بعقيدته، ووقاره، ينشر خبر عن احدى الفنانات المصريات يقول انها أعلنت الحداد حزناً على رحيل صديقها الحميم مصطفى العقاد، الذي، على حد زعم الخبر، كان قد حضر حفل تكريمها وأخذها بـ«الحضن». هذا الكلام، الذي يضحك الثكالى، ذكرني بمجلس عزاء ولولت فيه إمرأة تندب فقيد المنزل صارخة: «يا اللي كنت بتقول لي يا خالتي»!

لكل ضيق فرجه، وكما قال الشاعر: «متى صلُح الزمان»؟

رحم الله الشهداء.