السيرك ليس سحرا..!

TT

المتعة الترفيهية البريئة هي كما يتضح من الاسم «ترفيه بريء» والترفيه البريء في حد ذاته مشروع لا خلاف عليه من منطلق ترويح القلوب ساعة بعد ساعة. وللمتعة البريئة أشكال مختلفة فمنها ما هو مبني على التسوق وآخر على الرياضة، وغيره على مشاهدة العروض الفنية والاستعراضية. ولعل من الاشياء التي استحدثت عبر السنوات الماضية وبنجاح كبير، هي فكرة مشاهدة عروض السيرك، وهي عبارة عن مجموعة من الالعاب التي يقوم بها مجموعة من الهواة والمحترفين بأنفسهم أو مع حيوانات مدربة، ولقيت هذه الفكرة رواجا وقبولا كبيرا في معظم دول العالم، كطريقة تشارك فيها العائلة بأسرها في مناسبة ترفيهية جميلة.

وأخيرا تداولت أوساط ثقافية وإعلامية صدور فتوى ورأي ديني من قبل بعض في السعودية يحرم السيرك، ويعتبره نوعا من أنواع السحر. والحقيقة أن رأيا كهذا أقل ما يقال عنه أنه غريب ومتشدد، وهو مرة أخرى سيعيد التهم المختلفة من التشدد والغلو لتوجه الى بلد الحرمين الشريفين. الآراء الدينية الصادرة من السعودية توضع تحت مجهار شديد الدقة، وكل كلمة يتم وزنها بحساسية مفرطة. والفتاوى الدينية عبر السنوات وقعت في خانات مختلفة، فمنها ما كان طريفا، ومنها ما كان غير معقول، وطبعا منها ما كان مفيدا ونافعا.ولكن تبقى أهمية وضرورة تقدير واحترام «الأثر» للفتاوى المصدرة بحيث تكون من العقلانية والمنطق لتلقى القبول والمكانة اللائقة التي تسمح بالتطبيق والعمل بها.

وإصدار هذا «النوع» من الفتاوى هو الذي يهز المرجعيات الاسلامية الكبرى، ويجعل قطاعات عريضة من المسلمين تبحث عن مرجعيات جديدة في دهاليز المدن وظلمات الإنترنت، فتحظى بضلال التشدد وهوس التطرف. وفي النهاية أقيم السيرك في العاصمة السعودية، وحضرته أعداد جيدة من الأسر السعودية وغير السعودية المقيمة، ونال راحة واستحسانا من الكثيرين، محققا بالتالي فائدة اجتماعية مهمة.

هناك فوارق مهمة ما بين نفع الناس والترويح عن النفوس والمساعدة في ذلك من جهة، وما بين سد الذرائع بالمطلق، وهو النموذج الذي يحصل فيه الشد والجذب بصورة متكررة.

الخطورة في هذا الجدل كله هو المناخ والأرضية التي تتكون جراء هذه، وهي أرضية تساهم في تكريس التشدد والتضييق على الناس، حتى ولو كان القصد وكانت النية حسنة وسليمة، ولكن تكون النتيجة في المحصلة مخيبة جدا. الموضوع بطبيعة الحال يتخطى ابداء رأي شرعي في استعراض مهارات وطرائف لمحترفين مع حيوانات يسميه العالم سيركا، يقدم لترفيه الناس، بأن يطلق على هذا كله سحر وبالتالي يحرم، ولكنه نموذج متكرر دوما ما يظهر مع كل جديد ومختلف في المجتمع، فيكون أسهل وسائل الرد عليه هو بالتحريم ولا شيء الا التحريم، مع اضافة مفردات مهمة وبالغة التأثير على المتلقي للاقتناع بأهمية التحريم. (فمن الذي يجادل في عدم تحريم السحر!؟). الحلال بين والحرام بين وغير ذلك اجتهادات شخصية جدا لها محدوديتها.