تقول زميلة عربية انتقلت مؤخرا الى لندن مع عائلتها، إنها تبحث عن شقة من 3 غرف وصالون وسفرة، وتجد ان الاسعار تراوح بين 1.7 مليون وبين مليوني جنيه. وتقول ان كل الارقام في لندن اصبحت بعيدة عن المخيلة : الخضرجي والمطعم والتاكسي وكل شيء.
وقلت لها انني منذ سنوات بدأت احكي مثل جدتي. كلما دفعت ثمن شيء اقول «في ايامنا كان سعره كذا». ورويت للزميلة ما رويته لجنباكم مرارا وهو ان اول منزل اشتريته في ضاحية لندنية العام 1978 كان ثمنه 35 الف جنيه، هو وحديقته ومسبحه. وكان مقسطا على ربع قرن. ودفعت ثمن اول سيارة ب.ا.م. دبليو صغيرة 4 آلاف جنيه، جديدة من الشركة. والآن استطيع ان اشتري بـ35 الف جنيه مترين الا ربع في بارك لين. وبأربعة آلاف جنيه استطيع ان اشتري 4 دواليب مستعملة. كانت لندن واحدة من ارخص مدن العالم واصبحت اغلاها. وكانت عاصمة امبراطورية عتيقة فأصبحت مدينة حديثة ومركزا ماليا يتفوق على نيويورك. وفيها اكبر عدد من السيارات الفارهة في أي مدينة. وثمن كل سيارة هو ثمن شقة صغيرة في لندن.
وكنا بادئ الامر نذهب الى مطعم لبناني في «فولام» حوالي عشرة اشخاص. ونبذّر ونطلب بان ينزل على الطاولة كل ما في المطبخ. ونخرج وقد دفعنا 50 جنيها. وقد دفعت امس تقريبا نصف هذا المبلغ لأتغدى وحيدا مع صحن حمص وصحن شاورما. ويقول لي صديق ان فاتورته في بعض مطاعم «الماي فير» تصل الى 400 جنيه. ظهرا. ولشخصين. والاكل الايطالي، أي عجين لذيذ وصلصة طيبة. وصحتين على قلبك.
جاءني في الثمانينات قريبي من الارجنتين، من الاقرباء الذين احبهم. وهو دكتور في الاقتصاد ورئيس الغرفة التجارية في بوينس ايرس. وقال لي: «اسمع. هذه المدينة مركز العالم. هناك لندن واحدة ولا يمكن بناء لندن اخرى بكل اموال الارض. وهناك باريس واحدة ولن يكررها احد. لذلك سيأتي يوم يكون فيه الهايد بارك هو مناجم الماس في جنوب افريقيا».
كنت يومها في شقتي الثانية، في سانت جونز وود. وقد دفعنا ثمنها 60 الف جنيه. أي ثمن خمسة امتار الا ربعا في بارك لين اليوم. طبعا لم تعد هناك بقعة رخيصة او معقولة في الارض. ومن يتابع اعلانات العقار في الخليج يجد ان اسعار دبي تقترب من اسعار بريطانيا. وهذا العالم يتنقل مثل اهل البداوة الاولى. وقد بلغت ارباح «الامارات» للنصف الاول من العام نحو مليار درهم. وحاول جنابك مرة ان تقرأ عناوين الرحلات الى مطار الشيخ راشد: سيبيرا. مالي. تورنتو. جزر موريشيوس. سيوول. كيب تاون. نيويورك (مباشر) جزر القمر. هذا هو عالم اليوم. عالم 1978 اصبح اشبه بعالم ديزني.