سورية وتجاوز العقبة الأولى

TT

هل تعمد الرئيس السوري بشار الأسد الأخير مخالفة النصيحة الامريكية التي تقول تحدث بنعومة واحمل عصا غليظة، عندما شن كلاما قاسيا ضد عدة اطراف اتهمها بالتآمر ضد سورية؟

حير خطابه الجميع، كل يحاول فهمه وان كانت الحقيقة في السياسة مسألة نسبية. فالأزمة السورية قد تكون مؤامرة، أو أزمة صادقة وفرت فرصة للانتهازيين، وربما صادقة في نواياها.

وعندما وافقت سورية ووافقها المحقق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري على اختيار فيينا كان موقفا صحيحا. فدمشق تنازلت عن فكرة التحقيق الداخلي وتنازل المحقق ميلس عن بيروت وفرجت أزمة ربما كان لها ان تقود الى حرب. ولو لم يتفق الجانبان لطار المحقق الى نيويورك وشكا سورية لمجلس الامن الذي بدوره كان سيخيرها بين القبول او فرض العقوبات عليها. ولو قبلت دمشق ارسال الخمسة الى العاصمة اللبنانية لربما هلل خصومها مدللين على انه ضعف في النظام.

ويجب ألا تغشنا البدايات الحسنة فهي ليست ضمانا محتما لنهايات سعيدة لكنها تؤسس لتفاهم افضل، خاصة إن تم ابعاد الرأي العام عن الجدل واختصر التحقيق على المختصين. فدمشق اعتبرت مؤتمرات مليس تشهيرا لاحراجها، في حين نصحت الدول الشقيقة سورية بألا تقع في فخ الملاسنة والمواقف المتصلبة.

لهذا نقول انها كانت بداية حسنة لموقف معقد، فلم تتنازل فيه دمشق ولم تمتنع عن التعاون. وما سيحدث بعد ذلك ربما سيكون اكثر صعوبة ان استمرت لجنة التحقيق في تعقب المشتبه بهم او احتجازهم في سجون انفرادية. وهذا أمر محتمل بطبيعة التحقيق الجاري ومؤشراته السابقة كما ورد في التقرير الأولي، وهنا ستواجه دمشق التحدي من جديد. وقد يبدو تبسيطا للقضية عندما نقول إن مصلحة سورية التعاون المستمر، وتقديم كل اسم يرد في لائحة المستجوبين او المشتبه في تورطهم، لكن لا يوجد دائما حل وسط او بديل سوى المواجهة مع مجلس الأمن. وما حدث في قائمة المطلوبين الخمسة كان حالة استثنائية حيث تنازل الجانب الدولي، وجنب القبول بتسليمهم دمشق سلسلة مخاطر كبيرة، فلم يدفق ماء وجهها واظهرت ثقة في نفسها.

وقد يبدو غريبا الاهتمام بالشكليات اكثر من المضمون لكن اشكالات المنطقة الكبيرة قد يكون سرها في المظهر، كهيبة الدولة لا مخاطر حقيقية. ونتذكر قصة المعارض التركي الكردي الذي بادرت دمشق الى ابعاده بعد ان اقتربت الدبابات التركية من الحدود السورية. تركيا كانت تنوي مواجهة ان لم تتسلم عدوها عبد الله اوجلان. دمشق طلبت من المعارض الكردي الرحيل فانتهت أزمتها في حينها وباتت العلاقة التركية السورية في أفضل حالاتها منذ ذلك اليوم. ولو أن دمشق اهتمت بالمظهر السياسي لربما كانت الجبهة مع انقرة حتى هذا اليوم منشغلة في تلقيم المدافع.

[email protected]