برافو وطن

TT

تقوم جريدة «الوطن» السعودية بمجهود لافت للنظر وهي تضع عناوين حمراء لجرائم العنف ضد الأطفال بكشفها اليومي والمتواصل لقصص كقصص (أحلام ورهف) إحداهما اكتشفتها المشرفة الاجتماعية في المدرسة حين رأت آثار ضرب عنيف على جسدها تسببت به زوجة أبيها، فحولتها للمستشفى.

أحيطت رهف بالشفقة والحلوى والورود والهدايا وتلقفت قصتها الصحف، وهرعت إليها جمعية حقوق الإنسان تصيح «يا كبدي عليكي يا ضائعة الحقوق!».

واستمرت المفاجآت في قصتها، مثل اكتشاف أن «زوجة الأب» الجانية تسخر وقتها الثمين كمتطوعة ـ بحسب إعلان اللجنة ـ في العمل في لجنة إصلاح ذات البين، التي آمل أن لا يكون «إصلاحها» من «جنس فعلها». بالإضافة إلى أن والد الصغيرة لم يكتف بجناية زوجته (مصلحة ذات البين) بل حاول هو من جانبه ضرب الأم المطلقة أم رهف حين وجدها في المستشفى، دلالة على أن المنزل بكامله يقوم على منهج (اضرب واجلد).

قصص الأطفال الذين تشير كل الدلائل إلى لا منطقية الظروف التي يعيشونها، تكشف أيضا أن خيارهم بالبقاء تحت مسلسل الضرب سببه انعدام ما هو أرحم منه، فالأم تضطر للبقاء مع زوج مدمن مخدرات أو لص أو مجرم يتلذذ بضربها وبضرب أبنائها بحجة أن لا أحد سيعيلها إن هي طلبت الطلاق أو بسبب خوفها من حرمانها من أطفالها والعيش بعيدا عنهم بعد الطلاق، والحل الذي تختاره ليس حلا جديرا بتحمل النتائج، فهو يتفاقم إما بموت أحد أبنائها أو دخوله السجن أو حدوث جريمة أشد وأسوأ، وكأن المرأة تختار أن تظل هي وأبناؤها تحت الجلد والتعذيب لفترة أطول فقط، والأم التي ستفكر في الطلاق تخاف أن ترمى هي وأبناؤها بعد طلب الطلاق خارج بيتها.

المرأة تعرف أنها لن تفوز لو اشتكت أمرها للقاضي إلا بالخلع الذي يجبرها على إعادة مهره بعد كل هذه السنوات من الخدمة وإنجاب الأطفال، وفي أحسن الأحوال ستفوز بطلاقها وحصولها على الأطفال إن كان الزوج لا يهتم إلا بالتخلص من مسؤوليتهم، وبداية حياة أخرى في مكان آخر، من دون أن يرف له جفن ولا يطارده عسكري قضاء يجبره على إعالة أبنائه.

إن استمرار مثل هذه الحالات بلا أمل سببه غياب أنظمة تباشر حالات ما بعد وقوع الضرر الأول وهو الضرب والعنف الأسري. فالمغرب أعد مدونة للأسرة تحفظ حقوق الأطفال والزوجة، وفي مصر الزوجة ليست المعنية بمطاردة الزوج بالنفقة، فهي تتسلمها من المحكمة وليس من الزوج بحسب المزاج الشخصي والأخلاقي له، أما لدينا فإن على المرأة أن تدفع كل شيء مهرا وتخليا عن الأطفال مقابل طلاقها، أما إن فازت بهم فإن النفقة مجرد حكم على ورق لا يجد من يستخلصه لها، لهذا فلا عجب أن تقبل النساء كل هذا الأذى خوفا من إضافة هموم أخرى، أهمها الجوع وتسول الصدقات واعتبار ضرب الحبيب من باب أكل الزبيب، لكنه زبيب منيل بستين نيلة!

[email protected]