من «رهف» إلى «أحلام»!

TT

لم يكد المجتمع السعودي يطفئ حزنه من حدة المأساة التي أصابته لمعاناة الطفلة رهف، التي تعرضت لتعذيب جسدي ونفسي بالغين من قبل زوجة أبيها المربية وعضو لجنة إصلاح ذات البين، حتى جاءت حادثة الطفلة أحلام بعد مرور أقل من 72 ساعة لتشعل الأحزان الغاضبة من جديد، فلقد جاءت أحلام هي الأخرى إلى المستشفى تعاني من آثار ضرب وحروق جراء العنف الاسري.

ولو كان الأديب الروسي دستوفسكي حيا لوجب عليه أن يستقيل من العالم، فهو القائل: «إذا تغاضى العالم عن تعذيب طفل بريء استقيل من العالم»، وإن كنت على يقين بأن السلطات الأمنية والقضائية في السعودية لن تتغاضى عن تعذيب رهف وأحلام، متمنيا أن تكون العقوبات علنية كي تشكل رادعا يكفي لحماية الطفولة من قسوة أولئك الذين يفترض أن يكونوا مصادر حمايتها.. فلا شيء يمكن أن يستدل به على رقي مجتمع وتحديد مستوى وعيه أكثر دقة من نوعية العقوبات التي تطبق على كل من يحاول خدش أمان الطفولة وسرقة طمأنينتها.

وأمام تزايد حالات العنف الأسري في المجتمع فإن دورا كبيرا يجب أن تلعبه مؤسساتنا الأمنية والقضائية والتربوية والاجتماعية في مواجهة هذه الحالات، فالطفل في ذمة المجتمع إن تبلدت عواطف بعض المحيطين به أو تعطلت مشاعرهم الإنسانية، فجل ضروب الشقاء البشري مصدره خلل في الطفولة، وخلف كل فظ غليظ عدواني تربية خاطئة أودت به إلى أتون قسوة لا يفيق منها.

واليوم ومجتمعنا يتداول أفكارا تتسم بالنضج كالتفكير في استراتيجية وطنية لحماية الطفولة وإنشاء لجنة وطنية لحماية الطفل ونحو ذلك فإنه يجدر بنا الإسراع في تطبيق هذه المشروعات وتحويلها إلى واقع تحتمي به الطفولة من رمضاء القسوة وجور العنف، فكل يوم يمر قبل تفعيل تلك الافكار بالصورة المثلى من شانه سقوط المزيد من الاطفال الأبرياء في براثن الوحشية، وليعذرني القارئ إن كررت هنا إيراد نتائج دراسة أجراها مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية، إذ تشير إلى أن 45% من الأطفال السعوديين يتعرضون لصورة من صور الإيذاء النفسي، يليه الإيذاء البدني في حياتهم اليومية، وأن 21% من الأطفال يتعرضون لهذا الإيذاء بشكل دائم، ويمثل الإيذاء النفسي أكثر أنواع الإيذاء، يليه الإيذاء البدني، ومن أكثر صور الإيذاء البدني الضرب المبرح للأطفال بنسبة 21% يليه تعرض الطفل للصفع بنسبة 20% ثم القذف بالاشياء التي في متناول اليد 19%.

وأمام حقائق الواقع ودلالات الأرقام يجدر بنا تقدير حجم المشكلة، وتجنيد كافة إمكانات الدولة والمجتمع لمعالجتها.. فكيف تغمض عيوننا وفي بعض البيوت عيون بريئة تسكب دمعها دما؟!

[email protected]