لسنا أمام شارون جديد

TT

لم يكن هذا هو الانشقاق الأول في تاريخ الأحزاب الحاكمة والكبيرة في الخريطة الحزبية الاسرائيلية فقد سبق ذلك انشقاق بن غوريون من حزب مباي وانشقاق موشي ديان من حزب العمل وانشقاق عيزر وايزمان عن الليكود وكانت هذه تطورات رافقها ضجيج كبير ولكنها لم تكن بمستوى هذه الهزة الكبرى التي قادها شارون مغيرا معالم الخريطة الحزبية الاسرائيلية وخالقا لأول مرة وضعا تكون فيه القوى الاساسية المرشحة لتولي رئاسة الوزراء هي ثلاثة رؤوس وليس اثنين.

فعلى مدى عشرات السنوات الماضية كان التنافس دائما بين الليكود والعمل أو العمل والليكود دون ان يكون خيارا ثالثا.

واليوم نحن نتحدث عن تبلور 3 كتل يرافقها بعض التمايز الفكري والسياسي:

الأولى: هي الليكود «الأصلي» الذي يمثل أقصى اليمين ويشكل امتدادا لفكر وايديولوجيا الليكود التاريخي.

الثانية: حزب «كاديمة» (الى الامام) الذي يقوده شارون الذي انضم اليه حاييم رامون العمالي ويمثل يمين الوسط.

الثالثة: حزب العمل بقيادة عمير بيرتيس الحمائمي.

وما من شك ان الانقلاب في حزب العمل وهزيمة شيمعون بيرس (الذي حتى وان شارك في سباق لوحده يصل الثاني دائما!!؟ على يد عمير بيرتيس الزعيم العمالي الشرقي الاصل ادخل الحلبة السياسية والحزبية الاسرائيلية في حالة حراك افقي وعمودي وادى الى تسارع الأمور حتى داخل الليكود بعد ان قاد حزبه الى ترك الائتلاف الحكومي برئاسة شارون.

شارون الذي تبتسم له الاستطلاعات ورفاقه يجب ان يدركوا ان هذه النتائج جيدة فقط للحظة التي اجريت فيها وانا على يقين بأن شارون وحزبه سوف يكونوا في حالة هبوط حتى الانتخابات ولن يحافظوا على الارقام العالية التي تأتي بها الاستطلاعات (30 ـ 35 مقعدا) وكذلك الليكود سوف ينتعش قليلا (يتعلق بهوية الفائز بقيادة الحزب في الانتخابات الداخلية) ولن يبقى في حدود الـ 13 ـ 15 كما تشير ذات الاستطلاعات.

ان عمير بيرتيس المستفيد الاكبر من هذه التغيرات وحزب العمل الذي بدأ يجتذب شخصيات وطاقات جديدة فإنه سوف يزيد من قوته كما هي في الكنيست (21 مقعدا) وسيكون منافسا حقا لارئيل شارون.

والمهم ان عمير بيرتيس منذ الآن نجح في فرض اجندته الاجتماعية والاقتصادية كموضوع رئيس في الحملة الانتخابية فاصبح المرشحون جميعا يركزون في حديثهم عن الفقر ومستوى المعيشة ونسبة البطالة والحد الادنى للأجور وكان الجميع تقمص دور ؟؟؟؟؟ عشية الانتخابات.

وعليه اصبح من الواضح ان المسار السياسي العام وتحديدا الاسرائيلي ـ الفلسطيني ثانيا (حتى اللحظة) في جدول الاعمال ؟؟؟ لكل المتنافسين الاساسيين خاصة وأن عمير بيرتيس هو اول زعيم لحزب العمل لا يأتي من خلفية عسكرية أو أمنية على الاطلاق دفعه ذلك الى اطلاق تصريحات يمينية حول القدس عاصمة لاسرائيل ورفض حق العودة.

لم يكن ارئيل شارون يوما من الايام ابنا شرعيا لليمين الاسرائيلي وان كانت خطواته وسياساته احيانا اكثر تطرفا من غيره بل كان ابنا لحركة «مباي» انشق عنها وكان من مؤسسي حزب «الليكود» حتى قوض أركانه وهز أساساته واعاده الى حجمه الصغير يترنح من هول الصدمة.

وحري بنا ان نقول ونعود ونقول اننا لسنا أمام شارون جديد، بل اننا أمام خريطة جديدة. فشارون له مشروع واضح يستذكر احيانا خريطة الطريق ولكن اساس المشروع هو استمرار اسرائيل بالسيطرة على الضفة الغربية المحتلة والاستعداد «للتنازل» عن 50 ـ 60% منها لانتاج «دولة الجدار» أي دولة فلسطينية متفرقة منزوعة السيادة دون القدس ودون حل عادل لقضية اللاجئين.

ان من الأحزاب العربية معزوها الاساسي هذه المرة له وجوه عدة أولها: ارتفاع نسبة الحسم من 1.5 ـ 2%.

وثانيها: هبوط وتدني نسبة المشاركة للمواطنين العرب في الانتخابات من 74% الى 62% في الانتخابات السابقة.

وثالثا: الهجمة الشرسة على الاصوات العربية التي سوف يقودها عمير بيرتيس وربما شارون وسائر الاحزاب الصهيونية التي سوف تنهش على اقل تحديد 40% من هذه الاصوات.

وأمام ذلك تبرز الضرورة الملحة في ان تتوحد جهود كل الاحزاب الوطنية في الساحة العربية لرفع نسبة المشاركة التي ان بقيت على حالها فإنها سوف تؤدي الى هبوط التمثيل العربي في البرلمان وسقوط قوائم عربية. وهذا يتطلب موقفا جماعيا وادارة حملة انتخابات حضارية يكون التنافس الشريف اساسها وتبتعد عن الانتهازية والتهجمات والتي تنفر الناخب العربي من الاحزاب والقيادات العربية.

أقول كل ذلك بالرغم من ان الاستطلاعات تبتسم للكتلة التي امثلها «الجبهة العربية للتغيير» التي سوف تزيد من قوتها بلا ادنى شك ولكني حريص على ان يبقى التمثيل العربي لائقا وان يزيد عما كان عليه في هذه الدورة، فالعمل السياسي ما بعد الانتخابات سيكون مهما بالنسبة لنا كافراد وكجماعة وتحديدا بالنسبة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وآفاق حله. فهل تبقى لارئيل شارون الساحة لاتخاذ قرارات من طرف واحد في السياسة كما هي في الانتخابات والشأن الحزبي وفي الاقتصاد والامور الاجتماعية؟

تدخل السياسة الاسرائيلية حقبة حاسمة قد تؤدي الى تغييرات كبيرة وجذرية ولكنها قد تتمخض عن اعادة تركيب الفسيفساء السياسية والحزبية بطريقة قد تعيدنا الى نفس المربع الأول.