الإخوان في البرلمان (2 ـ 3)

TT

نجاح الإخوان المسلمين المصريين في البرلمان ربما يكون ضرورة وطنية وديمقراطية، فوجودهم في واجهة العملية السياسية سينقلهم من فكرة أنهم جماعة محاصرة مضطهدة مهمتهم النقد والتشهير إلى جماعة لا بد لها من تقديم بديل للناس، كما أن شعارهم المخادع «الإسلام هو الحل» سينتقل من مجرد شعار هروبي من مواجهة قضايا الناس وقضايا المجتمع إلى شعار يتطلب وضع أسئلة كثيرة وأجوبة أكثر على قضايا المجتمع والتنمية والحريات.

المشكلة الكبرى، والخطر الأكبر من هذه الجماعة هما الطرح «الميكيافيللي»، فلديهم برنامجان أحدهما معلن يتحدث أحيانا وباستحياء عن دولة مدنية، وآخر حزبي هدفه إقامة دولة دينية انطلاقا من أفكار سيد قطب وحسن البنا، وهم يمارسون ازدواجية خطيرة في الطرح.

قبل أيام تحدث المرشد العام للجماعة مهدي عاكف لإحدى الصحف الانجليزية وكان أهم ما قاله «إن الجماعة ضد اتفاقيات السلام مع إسرائيل، ولا تعترف بإسرائيل لكنها لن تقاوم الإسرائيليين».. وهكذا تبدو الرسالة واضحة للغرب وتحديدا لأميركا، وهي عكس الموقف الذي تتخذه الجماعة من إسرائيل في مطبوعاتها ومنتدياتها للاستهلاك المحلي.

الإخوان المسلمون أرسلوا رسالة تطمين للأقباط بعد نجاحهم في الانتخابات وذلك بهدف الاستهلاك المحلي يتحدثون فيها عن الحريات الدينية، ولكن حقيقة موقفهم عبَّر عنها عضو مكتب الإرشاد الشيخ محمد عبد الله الخطيب الذي قال، تعقيبا على قضية حرية فتح الكنائس للأقباط، إن مناطق كالمعادي وحلوان وهي التي بناها المسلمون لا يجوز إقامة كنائس فيها وهناك مناطق «فتحها» المسلمون كالإسكندرية وهي كذلك لا يجوز بناء الكنائس فيها، بل إن بعض المسلمين قال بضرورة هدم كنائسها، أما المناطق «التي فتحت بالصلح» فيجوز إبقاء كنائسها مع منع بناء أية كنيسة جديدة» !!

نجاح الأخوان مهم لأنه سيجعلهم أمام استحقاقات ومواقف عبر التصويت في البرلمان، وهذا ما يمكن أن يشكل مقتلا لهم، فهل سيتمكنون من أن يتحدثوا ويتصرفوا وهم قوة سياسية في البرلمان بنفس اللغة التي يتحدثون فيها لأنصارهم ؟ وهل يمكن استمرار ازدواجية الموقف والغموض عندما يكون الإنسان في موقع المسؤولية ؟

ربما تتحول فرحة الإخوان المسلمين بالفوز بحصة مرضية في البرلمان إلى مأتم، وربما سيتمنون لو أنهم ظلوا في سراديبهم، فالأيام المقبلة تستحق بذل العناء في مراقبة السلوك السياسي للجماعة بعد أن خرجوا من سراديبهم إلى مقاعد البرلمان وأصبح عليهم اتخاذ مواقف حاسمة ومحددة من قضايا محددة، وهو أمر لم يتعودوه طيلة حياتهم السياسية منذ أكثر من سبعين عاما، وربما ـ وهو ما نتمناه لهم ولمصر ـ أن يتحولوا إلى قوة سياسية تحمل اسم الدين ولكنها تمارس دورها كقوة مدنية، فالأحزاب «المسيحية الديمقراطية» التي تحكم عددا من الدول الأوروبية ليست أفضل منهم !!