«الحقيقة» و«الكرامة» وما بينهما

TT

المحزن المأساوي في السلوك العربي العام، ان الحقيقة، اي حقيقة، ليست هي القضية، ولا يمكن لها ان تكون. وقد كان هناك شاهدان على ذلك امس الاول على قنوات العالم: الرئيس العراقي السابق الذي قال لرئيس المحكمة في لهجة مسرحية جذابة: انت عراقي، الامر لك. اصدر اوامرك اليهم! في حين انه لم يجب على التهمة التي يحاكم بها، ولا على الصور التي تثبت «دوره» في مذبحة الدجيل.

الشاهد الثاني، مع الاعتذار من المقامات، سابقة او لاحقة او حالية، كان «مقنع» تلفزيون دمشق السيد هسام هسام، الذي تحدث لوقت طويل، بالبث المباشر، عمن صافح وخاطب ورأى في لبنان. وفي جملة ما روى ان السيدة بهية الحريري حاولت ان تقنعه بالقول إنه مشارك في جريمة قتل شقيقها. وبعدما ابدى، اي السيد هسام هسام، مشاعره للشقيقة المحزونة وتعاطفه مع العائلة، قال متسائلاً: «احترت شو اقول لها؟ اقولها ابنو قاتلو؟» وترجمتها ان سعد الحريري هو الذي قتل والده بألف كيلو بارود سي 4 شغل سلوفاكيا. اشفق هسام هسام، برقي مشاعره، على خنساء لبنان، فلم يبلغها الحقيقة الدامغة. وصف الوزير مروان حمادة هذا الاداء بأنه جزء من «غوار الطوشي». وفي هذا خطأ في حق مسرح شعبي أحبته الناس وصدّقته ورنت اليه. فالمسرح الغواري كان المقصود منه، نقد السخف والتزوير وايقاظ الناس والمجتمعات الى عادة مدمرة في تاريخ الاوطان: تغطية الحقائق المرعبة بالهروب المضحك. وقد كان غوار ومحاوره القلعي وثالثهما ابو صياح، يتناقشون في مدى ما هم صادقون في سذاجتهم. اما الشاهد السيد هسام هسام، فقد حاول ان يقنع العالم اجمع بمدى قدرته على خداع سلسلة من اللبنانيين السذج، وان يحيي الاذكياء منهم «كاللواء جميل السيد حفظه الله» وغيره ممن أحبَ واحترمَ وقدَّرَ.

في الجلسة الاولى من محاكمة رجال النظام السابق في بغداد، اعترض احد المتهمين بأنه لن يتحدث ما لم ترد إليه كرامته. وسأله القاضي ما هي كرامته، فقال إنها عقاله، فاعطيه. الوحيد الذي ظل بالزي الاوروبي وكامل أناقته هو الرئيس السابق، الذي حرم من ربطة العنق، لانها في السجون سلاح انتحاري. اذن، المسألة، او الكرامة، هي العقال، وليست حلبجة. و«الحقيقة» ليست اغتيال رفيق الحريري، ولكنها مجموعة الحقائق التي بثها السيد هسام هسام، صاحب الحقيقتين: الاولى ما قاله في لبنان، والثانية ما قال انه قاله في لبنان. وأحب ان اختم بتقدير خاص لمشاعر السيد هسام هسام، عندما تعالى عن اطلاع بهية الحريري على الحقيقة: ابنو قاتلو!