مكر الرجال

TT

حدث أخيرا أن تعطلت سيارة كانت تقودها امرأة ومعها أطفالها، في مفازة بعيدة من طرق بريطانيا. لم تعرف كيف تصلح سيارتها، وقفت على قارعة الطريق تنتظر الفرج. جاءها الفرج، وأي فرج، في هيئة رجل مهذب، أوقف سيارته وخف إليها، لكنه بدلاً من مساعدتها، هجم عليها وعلى أولادها وقتلهم جميعاً، ثم مضى في طريقه. لم يسرق منها شيئاً، ولا اعتدى عليها جنسياً. كانت عملية يعجز المرء عن تفسيرها، لا سيما أن الشرطة التي تمكنت من اكتشاف الجاني واعتقاله، وجدت أنه رجل محترم ورب عائلة، وله زوجة وأولاد، ما الذي دفعه إلى هذه الجريمة الشنعاء؟

شغلت الجريمة الرأي العام لحين من الزمن، لكن ما أعجبني فيها كان رسالة نشرتها صحيفة «الساندي تايمز»، قال كاتبها إن المرأة المعاصرة، طرحت من يدها أقوى سلاح استعملته عبر القرون بمهارة وحكمة لحماية نفسها ومالها وأولادها، ذلك السلاح هو خفر المرأة وحياؤها وضعفها. بفضل هذه المفاهيم، استطاعت أن تفرض على الرجل قيم الفروسية والشهامة التي جعلت من أخزى الأعمال اعتداءه على امرأة أمنة.

لا أريد أن أشكك في حقوق المرأة وسعيها للتمتع بمكانة متساوية، لكن المكانة المتساوية مع الرجل لا تعني التساوي معه بالمعنى الذي أخذت تتمسك به صاحبات حركة التحرر الأنثوي (فمنزم). هناك فروق أساسية بين الذكر والأنثى، وقد اكتشف العلماء أخيراً أن الطريقة التي يعمل بها دماغ المرأة تختلف عن الطريقة التي يعمل بها دماغ الرجل، تجاهل هذه الاختلافات يؤدي إلى زيادة مشاكل المرأة بدلا من حلها، وبالتالي زيادة وقوعها في العبودية من حيث لا تعرف.

إذا كانت المرأة مثل الرجل تماماً، فلتتصرف مثله وتدافع عن نفسها بنفسها، هذا ما يؤدي إليه ذلك المنطق. وبالفعل، حاول ذلك صديق لي آمن بمقولات ذلك المنطق، بادر إلى تدريب ابنته على الجودو والمصارعة اليابانية والملاكمة لتدافع عن نفسها، كانت النتيجة مأساوية، بتأثير هذه التربية، اكتسبت البنت عنجهية الرجال، وعندما أزعجها تلميذ في المدرسة انهالت عليه بالشتائم البذيئة التي اعتاد عليها الرجال، فجنّ جنون ذلك التلميذ وصوّب نحوها لكمة قاضية جعلت الدم يتدفق من وجهها، بدلا من استعمال ما تعلمته من فنون الملاكمة والمصارعة، جمدت وتخشبت وتركته ينهال عليها بمزيد من الضرب، انها الآن تعاني من مشاكل نفسية مريرة تشعر بالخزي من نفسها ومن تخييب والدها، وبالكره من كل الرجال.

رأينا شتى السخافات القائمة على الفهم الخاطئ لفكرة المساواة، كمسابقات المصارعة النسائية التي يقبل الرجال على التفرج عليها، هناك الآن مَن يقول إن فكرة المساواة مؤامرة رجالية للاستمتاع بالمرأة بدون التزام أو عوض وتسخيرها للقيام بأخس الأعمال باسم المساواة.. اعتقد ان الوقت قد آن لتغيير المثل الفرنسي القديم «فتش عن المرأة»، إلى القول «فتش عن الرجل»!.