المنطقة العربية باتت مهددة بـ«تسونامي» سياسية عاصفة!

TT

ما جرى في مصر خلال معركة الانتخابات التشريعية الأخيرة يؤكد، لمن لم يتأكد بعد، ان المنطقة لم تعد تقف على مفترق طرق وأنها دخلت مرحلة التحول رغم أنفها، وان ما هو قادم سيكون أعظم، وان من لم يبادر وبسرعة الى التكيف مع هذه المستجدات فإن الأمواج العاتية التي باتت تضرب هذه المنطقة بكل هذا العنف وبكل هذه القوة، ستضربه وستغيره بالقوة .

يجب ألا يُنظر الى الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة من زاوية ظاهرة «البلطجة» التي سادت، ولا من زاوية «المطاوي»، و«البلطات»، و« الرُّفوش» التي رُفعت، وإنما من زاوية الفوز الذي حققه «الاخوان المسلمون»، وهو فوز من الواضح ان الولايات المتحدة، المهتمة جداً بمستقبل مصر ومستقبل هذه المنطقة كلها، غير منزعجة منه، بل ويمكن القول إنها راضية عنه وكانت تريده .

وهذا يعني أن على أنظمة هذه المنطقة أن لا تبقى تغط في نومها العميق، وان لا تبقى تعتمد على استرضاء الولايات المتحدة بالرشاوي والتنازلات السياسية التي تقدمها، فالواضح ان هناك بعد تجربة العراق تحولاً في نظرة الأميركيين الى المنطقة، والواضح ان واشنطن في ضوء واقع الشرق الأوسط وعدم وجود الأحزاب البرامجية العلمانية القادرة على ملء الفراغ غدت مجبرة على العودة للتفاهم مع الاسلام ـ السياسي الذي كان سلاحها الامضى أيام المواجهة مع المد القومي ـ اليساري والتصدي للزحف الشيوعي وقطع الطريق على تطلعات الدولة السوفياتية في اتجاه حقول النفط والمياه الدافئة .

إن المسألة باتت مسألة وقت فقط، ولعل العنصر الحاسم في عوامل الوقت هذا هو الطريقة التي سيتصرف بها «الاخوان المسلمون» إزاء ما حققوه من فوز وما إذا كانوا سيغتنمون الفرصة ويثبتوا أنهم قادرون على التكيف مع استحقاقات المرحلة الجديدة والألفية الثالثة، أم أنهم سيبقون يجترون شعاراتهم ومنطلقاتهم القديمة ويواصلون الإصرار على خطابهم السياسي السابق .

إذا استطاع «الاخوان المسلمون» تقدير أهمية الفوز الذي حققوه في انتخابات مصر التشريعية الأخيرة، وإذا أدركوا ان المسألة ليست مجرد إدخال عشرات من الاعضاء المخلصين الى تحت قبة البرلمان في القاهرة، وإنما مسألة دخولهم خيمة المجتمع الدولي والمشاركة في الحياة السياسية في المنطقة، فإن التحدي لأنظمة الشرق الاوسط المتمترسة في خنادقها القديمة سيكون كبيراً وبخاصة إذا أفضى هذا الفوز الى استعادة التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة ومعها الغرب كله وبين الاسلام السياسي بصيغه التنظيمية القائمة.

على من لم يصْح من غفوته بعدْ أن يصحو الآن، فما جرى في مصر ليس حدثاً محلياً مغلقاً ولا هو مجرد معركة انتخابية استخدمت فيها «البلطات» و«المطاوي» و«الرفوش».. إن الأمر أكبر من هذا، ولعل ما يشير الى ان هناك تحولاً في الذهنية الأميركية تجاه هذه المنطقة، بعد أكثر من عامين ونصف من احتلال العراق، هو الانباء التي بدأت تتسرب، بينما معركة الانتخابات المصرية لا تزال محتدمة، والقائلة بفتح قناة حوار بين واشنطن وطهران لمعالجة العقدة العراقية المتفاقمة.

إن معنى هذا ان الولايات المتحدة غدت بصدد تغيير تحالفاتها في هذه المنطقة، وأنها، بعد ان اكتشفت عدم جدوى الاعتماد على «خلاياها» الليبرالية الناشئة وعلى خطأ استمرار المراهنة على صداقاتها القديمة في الشرق الاوسط، باتت مضطرة للعودة الى الاسلام السياسي الذي كانت تحالفت معه خلال حرب إخراج السوفيات من أفغانستان، والذي كان الأوروبيون تحالفوا معه في أوقات سابقة بعيدة تعود لبدايات صراع المعسكرات والحرب الباردة .

لا بد من ان تستيقظ أنظمة هذه المنطقة من غفوتها، وعلى الذين لم يعترفوا بأن للألفية الثالثة استحقاقات يجب ان تُدفع، إما بالقوة او عن طيب خاطر، ان يدركوا ان الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 هو بداية عالم آخر غير العالم السابق، وان يعرفوا ان دخول الولايات المتحدة الى الميدان بكل أسلحتها وقدراتها العسكرية، وبروحية الإمبراطورية الرومانية، لن يقف عند حدود احتلال أفغانستان والعراق، والدليل على هذا ان العديد من دول هذه المنطقة ومن بينها، بالإضافة الى مصر، سوريا ولبنان وتركيا وإسرائيل ودول أخرى، قد دخلت مرحلة جديدة وأنها مقبلة على تحولات جذرية فعلية .

إن ما يجري في مصر هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، وان استجواب المتهمين باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري هو محاكمة لامتدادات القرن الماضي في هذا القرن الجديد، وان الانهيارات السياسية في إسرائيل تدل على ان واقع القرن العشرين بدأ بالزوال، وان واقعاً جديداً سيحل محله، والمؤكد ان هذا كله ستكون له هزات ارتدادية ستصل بالتأكيد الى دول تعتقد أنها محصنة وبعيدة !.

ليس فقط لأن «المطاوي» و«البلطات» و«الرُّفوش» ظهرت خلال مراحل الانتخابات المصرية الأخيرة، بل ولأن الاخوان المسلمين حققوا هذا الفوز الذي حققوه، والذي قابله الأميركيون بابتسامة عريضة، فإن هذه المنطقة التي هي بالأساس تعيش حالة من الاهتزاز الشديد والغليان سوف تتعرض لـ«تسونامي» سياسية من غير المستبعد ان تتحول الى اضطرابات وفوضى عارمة، وعلى غرار ما هو جارٍ في العراق، إن لم يجر الاستعداد لها منذ الآن وفي كل الدول القريبة والبعيدة .

إذا تعزز الفوز الذي حققه «إخوان مصر» بسياسة حكيمة وباتساع أفق، وبالتخلي عن السياسات العقيمة السابقة، وبالمشاركة في الحكم بمنطلقات غير المنطلقات السابقة، فإن العدوى بالتأكيد ستنتقل الى باقي دول هذه المنطقة كلها، وان رهان الولايات المتحدة على الإسلام السياسي سيتحقق، ولكن مع التأكيد مرة أخرى على ان طبيعة تعامل جماعة «الاخوان المسلمين» مع الفوز الذي تحقق هي التي ستجعل هذا التحول من مرحلة سابقة الى مرحلة جديدة إما ان يكون هادئاً وبالوسائل السلمية وإما ان يكون عاصفاً وبالمواجهات الدموية .

إن المؤكد ان دولاً لـ«الاخوان المسلمين» فيها قوة لا يمكن إنكارها، من بينها سوريا التي تواجه الآن ظروفاً في غاية التعقيد والصعوبة، ستتأثر تأثراً مباشراً بالفوز الذي حققته «جماعة الاخوان» في مصر، فالمعروف ان هذا التنظيم في كل الدول العربية التي يوجد فيها يرتبط ارتباطاً وثيقاً، ومن الناحيتين التنظيمية والسياسية وربما المالية أيضاً، بـ«المرشد العام» في القاهرة الذي له على الجميع حق «السَّمع والطاعة» .

ربما يعتقد البعض ان ما يجري في مصر هو مجرد زوبعة في فنجان وهذا اعتقاد ستكشف الايام القريبة والقادمة مدى صحته ... فالمنطقة قد تبدو صافية صفاء مياه بحيرة في رابعة فصل الصيف، لكن هذا الصفاء يخبئ في جوفه عواصف مدمرة ويخبئ هزات وزلازل وبراكين .

ولذلك، وما لمْ تسارع الدول المعنية الى إعادة تنظيم الصفوف وضبط إيقاع عملها السياسي على نحو يعزز القدرة على مواجهة ما غدا واضحاً ومعروفاً وملموساً لمْسَ اليد فإن المنطقة ذاهبة الى الفوضى والى القلاقل وعدم الاستقرار .

وهنا، وحتى لا يُفهم هذا الذي نقوله بطريقة خاطئة، فإنه لا بد من الإشارة الى ان الذنب بالنسبة لهذا المتوقع كلُّه ليس ذنب «الإخوان المسلمين» بل هو ذنب الأنظمة التي ترفض التطور والإصلاح، وهو ذنب الولايات المتحدة التي تتبع سياسة ارتجالية في التعاطي مع منطقة شديدة الحساسية وبكل هذه الأهمية .