وثائق واعترافات قاعدية

TT

لا شك أن ما عرضته القناة الأولى السعودية يوم الثلاثاء الفائت من شهادات حية لشباب سعوديين، انتموا للفكر القاعدي من أهم الوثائق التي يجب أن يعتمد عليها الباحثون والكتاب، الذين لطالما أمطرونا بوابل من التحليلات والقراءات الغريبة لفكر «القاعدة» في محاولة لتسييسها أو إعطائها بعداً اقتصادياً من دون التفتيش في مكوناتها الايديولوجية التي أسست لمشروعيتها، البرنامج المذكور هو أول الحلقات لسلسلة من الشهادات الحية باسم تجارب باسم الجهاد، حيث تحدث ثلاثة شبان هم زياد عسفان وعبد الله خوجة ووليد خان، عن أربعة محاور رئيسية تركزت على نقطة البداية في اعتناق الفكر القاعدي، ومن ثم مرحلة التجنيد والسفر إلى ساحات القتال ثم العودة، وبعد ذلك المراجعات التي كانت نتيجة ثمرة برامج توعوية داخل السجون.

ربما كان من الظلم لمثل هذه الشهادات الحية، والتي حفلت بالكثير من النقاط المهمة والأساسية لفهم ظاهرة «القاعدة» التي غدت ظاهرة عولمة مضادة أن يتم التعليق عليها بشكل سريع في هذا المقال، وهي بحاجة إلى دراسات يتعاضد فيها البحث المعرفي بالسيوسولوجي لقراءة الدوافع والمبررات ومن ثم الحالة الاجتماعية التي أفرزت مثل هؤلاء الضحايا لأداء دور العقل الجمعي، الذي كان في فترة سابقة يعتبر الانخراط في العمل الجهادي، ضرباً من التضحوية الدينية المحمودة، المهم أيضاً في هذه الشهادات أن أصحابها جاؤوا من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وما جمع بين الفرقاء هو الإيمان بفكر «القاعدة» التغييري وهو ما يعني أولوية الدافع العقائدي على غيره وللأسف فما زال هذا الملف مغيباً عن الدراسات الجادة حول الموضوع، عدا استثناءات قليلة كان أحدها ترجمة نصوص «القاعدة» والتعليق عليها إلى الفرنسية بإشراف الدكتور جيل كيبل المتخصص في جماعات الإسلام السياسي، وذلك في كتاب «القاعدة في النص».

ما استوقفني في هذه اللقاءات أيضاً، هو غياب الفترة التمهيدية لاعتناق فكرة الجهاد، فالجميع تحدث عن لحظة الاستعداد للانتقال إلى أفغانستان أو العراق، من دون التطرق إلى الفترة الزمنية التي سبقت ذلك منذ لحظة التدين، فالأفكار القاعدية هي المرحلة النهائية لشبكة من المفاهيم الدينية المتشددة، والتي تجعل من صاحبها يبحث عن الفرصة المناسبة لتجسيدها على أرض الواقع، صحيح أن هذه الفترة قد تطول أو تقصر لكنها لا تولد فجأة لا سيما وأن كثيراً من هؤلاء الشباب اعتنق فكرة تكفير الأنظمة لاحقاً، مما يعني أن ثمة مفاهيم متشددة جاءت نتيجة تصورات دينية خاطئة، حول ذاته وأسرته ومجتمعه جعلته يستبدل مجتمعه الظاهري بمجتمع آخر (المجتمع القاعدي) عبر علاقات مباشرة، يطالها الكثير من السرية والتكتم، وهذا ما يدفعني إلى الإيمان العميق بنظرية الشبكات، وهي أكثر النظريات ثباتاً وتماسكاً في الحقل النظري لفهم «القاعدة» والتي طرحها د. مارك سيجمان في كتابه الشهير «فهم الشبكات الإرهابية»، حيث انطلق من تخصصه كمحلل نفسي لمحاولة فهم طبيعة العلاقة بين الفرد والمجموعة في التفكير القاعدي، ووصل إلى فشل الحلول العسكرية، طارحاً بديلا الشراكة مع العالم الإسلامي، لطرح رؤى بديلة غير عنفية، وهو الأمر الذي يؤكد ضرورة فتح ملف الإصلاح الديني، باعتباره البديل الثقافي الوحيد لمحاصرة الأفكار الأصولية وللحديث بقية.

[email protected]