هل تحترم الأمم المتحدة «فتاواها» عن فلسطين؟

TT

أحيت الأمم المتحدة الثلاثاء الماضي «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني» الذي يُحتفل به سنوياً في 29 نوفمبر. ولعل من المفارقة أن يكون هذا التاريخ هو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة في العام 1947 القرار 181 بشأن «الحكم المقبل في فلسطين». ويُعتبر هذا القرار المنسي قراراً تاريخياً اذ أنه يتضمن «خطة التقسيم» التي كانت ستؤدي الى تأسيس «دولة عربية» على 43.5 % من فلسطين التي كانت تحتلها بريطانيا آنئذٍ و«دولة يهودية» في 56.5 % منها، مع الابقاء على القدس وجوارها كمنطقة دولية.

الا أن الأمم المتحدة، باعتمادها خطة التقسيم هذه، ارتكبت خطيئتين في سعيها الى تمهيد الطريق نحو انشاء دولتين: تتمثل أولاهما في قيامها بتشريع فصل سياسي مصطنع في أساسه بين «العرب» و«اليهود»، وكأنما لا يمكن للعربي أن يكون يهودياً، ولليهودي أن يكون عربياً. فقد أقامت هذه الخطة حاجزاً بين مجتمعات كانت في معظم الأحيان متداخلة في بعضها البعض، ما يجمعها أكثر مما يفرِّقها. فالمفهوم الذي استند اليه هذا التمييز وضع مجتمعات كانت تتعايش بسلام لعقود طويلة، في مواجهة بعضها البعض. وما زاد في الطين بلة هو تدفق المهاجرين اليهود من أوروبا الى فلسطين، الأمر الذي أجّج الكراهية وعمّق الظلم. أما الخطيئة الأخرى فهي تبنّي الأمم المتحدة خطة من دون أن تكفل تطبيقها. وأقل ما يمكن قوله هو أن المنظمة الدولية فشلت فشلاً ذريعاً في هذه المسألة.

ولعل الجدار الذي تشيّده اسرائيل اليوم على أجزاء من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية يجسد دليلاً فاضحاً على فشل الأمم المتحدة منذ تبني القرار 181. فهو جدار يسلب الفلسطينيين ممتلكاتهم ويجرف قراهم ويقتلع بساتينهم وأشجار الزيتون من أجل تشييد بنية بشعة بتمويل من دافعي الضرائب الأميركيين. وهو جدار تدعي اسرائيل بأن الغرض منه هو حمايتها، لكنه في الواقع، حجة يتوسلها شارون من أجل تغيير الحقائق على الأرض. وهو جدار صُمم من أجل إحكام سيطرة اسرائيل على الموارد المائية وابقاء معظم مستوطنات الضفة الغربية داخل اسرائيل والحؤول دون خروج القدس الشرقية عن السيادة الاسرائيلية يوماً ما. وهو جدار يستمر بناؤه بلا هوادة وسط لا مبالاة مَن يمكنهم ايقاف هذا البناء الآخذ في التوغل في عمق الضفة الغربية. فبتشييد هذا الجدار لن تكون الدولة الفلسطينية المقبلة سوى مجموعة بنتوستانات تربط الأنفاق والطرق والممرات الضيقة في ما بينها.

ومع ذلك، لا يمكن أن نتوقع من الأمم المتحدة أن تقوم وحدها بإرغام شارون على ازالة هذا الجدار، وان كانت المنظمة الدولية قد ساهمت الى حد كبير في ازالة نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) في جنوب افريقيا. غير أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد طلبت من الأمين العام أن ينفذ مهمة واحدة فحسب في هذا الصدد، هي انشاء سجل بالأضرار التي تكبّدها الفلسطينون جراء مواصلة بناء الجدار. وعندما طرحتُ على أنان سؤالاً، لدى عودته من زيارته الى اسرائيل والضفة الغربية في مارس الماضي، بشأن رفضه زيارة الجدار، الذي لا يزال يصر على تسميته «الحاجز» على غرار الولايات المتحدة واسرائيل، أجاب قائلاً ان «قرار الجمعية العامة بخصوص ما توصلت اليه محكمة العدل الدولية واضح، فهو يطلب منا وضع سجل بالتعويضات، وهذا ما نقوم به. ولا أعتقد أن الجمعية العامة أو أي عضو في مجلس الأمن، يعتبر أنني لا أنفذ هذه المهمة أو أنني خالفتها بقيامي أو بعدم قيامي بأي عمل»، لكن هذا الأمر، للأسف، ليس بهذا الوضوح.

فبعد مرور 16 شهراً على طلب الجمعية العامة انشاء سجل بالأضرار التي لحقت بالفلسطينيين منذ بدء تشييد الجدار، لا يزال من الصعب التصديق أن الأمم المتحدة لم تخالف مهمتها هذه، اذ أن الحقيقة المرة هي أن هذا الوضع بقي على حاله. ومع مرور الوقت تزداد صعوبة جمع الأدلة المادية وتسجيل المشردين ومتكبدي الخسائر الفلسطينيين.

ولكن، بعد التمعُّن في هذا الواقع، لماذا نتوقع من الأمين العام أن يسهر على حقوق الفلسطينيين ويثير حفيظة الولايات المتحدة واسرائيل، في وقت تبقى السلطة الفلسطينية والدول العربية مكتوفة الأيدي، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الاسلامية، لا سيما أن الجدار يسعى الى ضم القدس الشرقية والحرم الشريف الى الجانب الاسرائيلي.

وأهم ما في الأمر هو ما كشف عنه جون دوغارد، المقرر الخاص عن حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، والذي لا تتجرأ أي دولة عربية على اثارته، وهو التشكيك في صوابية مشاركة الأمم المتحدة في اللجنة الرباعية. فقد شدد دوغارد، أستاذ القانون الدولي من جنوب افريقيا الذي حارب نظام الأبارتايد، على أن «خريطة الطريق تتجه نحو القبول بوجود أجزاء من الجدار على الأرض الفلسطينية المحتلة، وبضم أكبر المستوطنات اليهودية في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى اسرائيل. وهذه العملية تضع الأمم المتحدة في موقف صعب، فمن الواضح أن المنظمة الدولية لا يمكن أن تكون طرفاً في مفاوضات تتجاهل الفتوى الصادرة عن الهيئة القضائية التابعة لها (محكمة العدل الدولية)». واذا كانت الفتاوى غير ملزمة للدول الأعضاء، فهي بمثابة «قانون» بالنسبة للأمم المتحدة، على حد قول دوغارد. فالقانون هو القانون، مهما كان قاسياً. واذا استدعى الأمر تحويل اللجنة الرباعية الى ثلاثية، فليكن، اذا ما كانت الأمم المتحدة نفسها غير قادرة على احترام فتاواها.