هذا أحببنه وذاك همن به

TT

كان ميخائيل نعيمة أول من وضع سيرة أدبية لرفيقه جبران خليل جبران. وفي تلك السيرة يأخذ عليه أنه فقد «بتولته» وهو في الرابعة عشرة، عندما تعرف إلى إحدى سيدات بوسطن الثريات. وعندما وضع نعيمة سيرته الذاتية في «سبعون» لم يكن للمرأة مكان. وعندما يذهب إلى أوكرانيا (1908) في زيارة رفيق له، تقع في حبه امرأة تدعى ماريا، وتحاول أن تراوده عن نفسه، لكنه يصدها مشمئزاً، ويغادر. ولم يتزوج نعيمة الذي تجاوز في حياته التسعين.

وقبل سنوات سأل زاهي وهبه في برنامجه الجذاب «خليك بالبيت» الشاعر سعيد عقل، «كم امرأة أحببت في حياتك». فأجاب: «لقد أحبتني ثماني نساء». وظن زاهي أن الشاعر لم يسمع السؤال، فكرره، فكرر سعيد عقل، باعتداد، القول: «لقد أحبتني ثماني نساء». وقد تجاوز الشاعر الآن الرابعة والتسعين. وتزوج مرة واحدة. وقد انتحرت زوجته بعد زواج قصير. أما نعيمة فلم يتزوج أبداً. وكتب سعيد عقل غزلاً كثيراً في المرأة، كان يقول عنه الشاعر صلاح لبكي إنه «نحت لا مشاعر فيه ولا شعور». أما نعيمة، فكانت كتاباته في الفلسفة والتأمل والماورائيات ولم تجد المرأة الى حياته سبيلاً يذكر. وكلاهما كان من المرحلة الرومانسية من الأدب، حيث تصدر الحب الرواية والقصيدة، وملأ الغزل في القرن الماضي الدواوين والروايات وتساقطت «العبرات» والادمع من المآقي، حزناً على حبيب ضائع. وكانت العلامة الاولى في النقد الأدبي للرواية الأكثر ادراراً للدموع. وما زلت الى هذه اللحظة، اقرأ اشياء كثيرة فتبكيني، ولا أستطيع أن أمنع نفسي، ولكن أيضاً لا أحاول. فالانسان كتلة من المشاعر، عندما تجف لا يبقى له شيء. وعندما يقرر أن «لا شيء يستحق» الحزن أو الغضب أو الاعتراض أو التمرد أو الفرح، فهذا يعني انه فقد بريق حياته.

وتصنع أدباء كثيرون صورة التعالي على المشاعر، وعدم النزول اليها أو الخضوع لها. وكتب سعيد عقل في شبابه أجمل الغزل ولكن بدون حب. وعندما اعترف لسمرائه بأنها «حلم الطفولة»، سارع يبلغها على الفور: «لا تقربي مني وظلي، فكرة لغدي جميلة». فإذا ما اقتربت انتهى كل شيء. ولذلك لقي ميخائيل نعيمة في لقاء جبران مع الآنسة بيبودي في بوسطن، خاتمة لطهارة جبران. وقد حاولت، كقارئ وليس كعالم نفس، البحث عن صورة الأم عند نعيمة وجبران ثم عند سعيد عقل. وكان نعيمة يقول عن والده انه رجل طيب السريرة قنوع ورضي، فيما كانت امه لجوجة وقوية ومقاتلة. وكانت أم جبران مليئة بالحزن والقوة معاً. فقد تركت في بلدة بشري زوجاً سكيراً يحب الكسل والغناء وسافرت بأولادها الصغار إلى بوسطن. أما سعيد عقل فيقول انه أخذ كل شيء عن أمه: عقلها وذكائها وملامحها الجمالية. وأما والده فكان ماهراً في شيء واحد: الشتم. وكان إذا ما فتح جراب شتائمه لا يكرر الشتيمة الواحدة مرتين.

ها هو سعيد عقل يقول لزاهي وهبي تكرارا: «لقد أحبتني ثماني نساء». وها هو نعيمة يكتب العام 1908 من روسيا، بكل تواضع، «لقد هامت بي أكثر من فتاة في ذلك الصيف، إلا أنني لم أفتح قلبي، ولا استسلمت لاغراء أي واحدة منهن».