مؤيد نعمة.. عبقري من العراق

TT

عاش في الزمن الخطأ ورحل في الزمن الخطأ قبل الاوان بكثير، مع انه عدّ نفسه دائما انه قد وُلد وعاش في المكان الصح.

عاش مؤيد نعمة في زمن عراقي أغبر اصبح فيه احد شذاذ الآفاق حاكما مخضرما لبلاد الرافدين التي نشأت فيها، وانطلقت منها الى سائر قارات العالم، حضارات عظيمة غيّرت، الى الافضل، اتجاه التاريخ ومجرى الحياة للبشر والزرع والضرع على السواء. اما «الانجاز» الوحيد لهذا الحاكم فهو خراب اسطوري لم يتوقف بعد لمهد الحضارات هذا.

ورحل مؤيد نعمة، عبقري الكاريكاتير العراقي، في زمن عراقي أغبر ايضا يظل فيه – كما في عهد صدام حسين ـ أعزّة القوم من امثال مؤيد نعمة أذلّة، ويتسيّد فيه الاميّون وانصاف الاميّين والمرضى النفسيون والعقليون والشاذون من الطائفيين والارهابيين القتلة وسراق المال العام والخاص والمنافقين والمزوّرين والادعياء والمداهنين والكذابين.

مؤيد نعمة الفنان.. المرهف الحس.. الرقيق المشاعر.. الجيّاش العواطف، خصوصا في حب العراق واهل العراق، المبدع من طراز الجواهري والسياب والبياتي ونازك الملائكة وسعدي يوسف وفرمان والتكرلي وجواد سليم وفائق حسن والرحال، عرفته عن قرب.. تشرفت بزمالته سبع سنوات في «مجلتي» و«المزمار» ثم في «طريق الشعب»، وبصداقته اكثر من ثلاثين عاما، عن قرب داخل العراق وعن بعد خارجه.. جمعتنا غرفة عمل واحدة في «طريق الشعب» اكثر من خمس سنوات..اكلنا وشربنا وسهرنا وغنينا ورقصنا سوية.. تشاركنا بعض المسرات والأحزان.. وفي كل ذلك كان مؤيد نعمة انسانا من طراز فريد في خلقه وفي همّه الوطني.. لا اظن ان أحدا أحب العراق اكثر منه.

بطريقة عجيبة يتميز بها عادة المبدعون الاذكياء وحدهم، كانت عينا مؤيد تتحركان من وراء نظارته بهدوء يشبه هدوءه، وكانت اذناه تتسمعان الى ما نسمع وما لا نسمع، ليلتقط الاشياء التي سيجسدها في اليوم التالي او بعدئذ على نحو ساحر في صور كاريكاتيرية مدهشة تعكس ذكاءه وتجسّد عبقريته، وكذلك تواضعه الجمّ وبساطته الراقية.

على الدوام كان مؤيد نعمة مسكونا بالالم لان العالم، وبخاصة العراق، يعانده ولا يصبح كما يريده هو، لكنه كان على الدوام ايضا مفعما بالامل في انه سيكسب الرهان وسيفوز على خصمه هذا، معاندة العالم له، فتغدو الدنيا جميلة والحياة سعيدة للجميع من دون استثناء، وبخاصة الفقراء الذين ناء مؤيد بحمل همومهم.

مثل كل الذين عرفوك واحبوك كما يعشقون حبيباتهم، لن ابكيك وحدك ايها العبقري العراقي، مؤيد نعمة.. سأبكي معك العراق الذي من فرط حبك له لم يتحمل قلبك الطيب ورأسك الجميل هذه الاهوال الهائلة التي تعصف به. فلقد خسرتَ الرهان وسقطتَ بالضربة القاضية التي سددها اليك هؤلاء الذين يسعون للتسيّد في عراق الحضارات.. الاميّون وانصاف الاميّين والمرضى النفسيون والعقليون والشاذون من الطائفيين والارهابيين القتلة وسراق المال العام والخاص والمنافقين والمزوّرين والادعياء والمداهنين والكذابين الذين حاربتهم بجرأة وعناد وبطولة كما الفرسان الشجعان.

[email protected]