في نموذجية المعارضة وأخطاء الحكم

TT

ماذا يحدث عندما يمضي حزب سياسي زمناً طويلاً في المعارضة؟ يحدث انه لا يفعل شيئاً سوى إحصاء أخطاء الحزب الحاكم. هو لا يعمل ولذلك لا يخطئ. وهو مبعد، اذن هو يستدر العطف. وهو يكتفي بالكلام، ولذلك يصانعه ويصوغه على افضل ما يكون. وماذا يحدث عندما يمضي حزب سياسي زمناً طويلاً في الحكم؟ اولاً يتبلد وتزداد اتكاليته، ولأنه يحكم فإن نصف الناس اعداء لمن حكم، هذا إن عدل، ولأنه بلا منافس، كما هي الدول ذات النظام الحزبي مثل اميركا وبريطانيا، فهو بلا مبادرة.

هذا باختصار، ما حدث في مصر. نصف قرن و«الاخوان» يلعبون على اخطاء او تقصير الحزب الحاكم. لذلك سقط في الانتخابات الاخيرة رجل مثل خالد محي الدين، آخر من يمكن ان يهزم شعبياً ودعوياً واجتماعياً وسيرة، من «الضباط الاحرار». فخالد محيي الدين لم يخرج من الطبقة العاملة ولا من قضاياها ولا من حياتها. ولم يساير النظام او السلطة. ولم يصبح جزءاً من سياسة مصر الخارجية. ومع ذلك هزمه «الاخوان». هو ومثله وسلوكه وتكرارا سيرته النضالية، اجتماعياً وسياسياً. ومثل هذه الهزائم تثير الريبة تماماً مثل بعض الانتصارات. الا انها تكشف في العمق، عن واقع مقلق في مصر. فالبديل لم يعد الاحزاب الديمقراطية والنضالية والجامعة بل تحولت الى القوى القائمة على اقتناص الثغرات: استباق الحكومة في الوصول الى أمكنة الزلزال. والدخول الى الأسر والاحياء ومدائن الفقر من خلال الادوية والخبز والدعاوى الساحرة. فإذا استطاع مهاجر مغربي ان يقنع خادمة بلجيكية بالانتحار في العراق، لا يعود من الصعب على مرشح مفوه ان يقنع سكان «مدن المقابر» على مداخل القاهرة، بأنه في الدورة المقبلة سينقلهم الى الازبكية والست زينب.

الآن ندرك لماذا ركز جمال مبارك في السنوات الاخيرة على «نفض» الحزب. ولماذا ابقى السياسة بعيدة وطرح نفسه، من خلال الصورة والشكل والاسلوب، على انه حل اقتصادي يعد بمواجهة تزايد السكان وحاجاتهم وقضاياهم الحياتية في بلد يفوق عدد سكان عاصمته عدد سكان باريس ولندن في دفع اقتصادي لا يوازي حجم قطاع واحد في اي منهما.

تهاوت احزاب رئيسية كبرى «كالوفد»، واخفقت احزاب جديدة في الظهور. وكان السبب الرئيسي لاخفاق حركات مثل «كفاية» انها ظهرت مع الانتخابات الرئاسية وغابت معها، في حين يعتمد الاخوان النفس الطويل واغراء النقابات ويحاولون إقناع الناس بأن كل القوى تحمل مفاتيح حل واحد في احسن الحالات، هو الحل الارضي، في حين انهم يحملون مفاتيح الارض والسماء. ومن ايدهم اعطي الثوابين. وأما البرنامج الانتخابي نفسه ففيه لكل مقام مقال. والغموض فيه مثل عجز الاعراب في اللغة. يجوز هذا ويجوز ذاك. فهم، مثلا، لا يريدون مقاتلة اسرائيل لكنهم لا يقبلون الاعتراف بها. ويحدث هذا عندما يكون الحزب في المعارضة. أما عندما يكون في الحكم، فان عليه ان يحاربها كما فعل منذ 1956، او ان يستعيد ما احتلته من اراض بالتفاوض، وهنا يأتي دور المعارضة: تقتل الرجل الذي حقق النصر العسكري، ثم الانجاز السياسي. ويقام لقاتله شارع في طهران.