مجزرة صحافية

TT

بالأمس انتهيت من حضور ندوة الحوار الوطني والإعلام التي عقدها مركز الحوار الوطني، والتي شدد بعضنا فيها، بإلقاء اللائمة على المركز بتجنبه وسائل الإعلام وحجبه لجلساته تخوفا من إثارة المشاكل وإفشال اللقاءات، وقد اعتبر البعض، وأنا منهم، أن هذه المخاوف غير جديرة بحجب المكاسب التي يمكن أن تعود على الرأي العام الشعبي بفائدة ربطه بحوار مهم تشارك فيه أطراف المجتمع بتياراته المتنوعة.

وفي الصباح التالي وأنا أتصفح الجرائد وجدت أن إحدى الصحف السعودية الكبرى قد أفردت صفحة كاملة نقلت فيها وقائع الندوة، وللأمانة فإنني أقول لمن سيظن أنني أستهدف أشخاصا من نقدي بأن التغطية لم تكن تحمل اسم الصحافي الذي قام بالتغطية، ولمن يظن أن التغطية تجاهلتني وذكرت أشخاصا آخرين، فإنني أود الإشارة إلى أن اسمي كان موجودا بل و«منورا». لكنني أريد أن أعطي مثالا عن عدم جدية بعض الصحافيين الذين يظنون أن جر الأخبار على عواهنها، ومن رقابها بكتابة عناوين مشابهة، ووصف قائمة الأسماء التي طبعت في منشورات الندوة، يمكن وصفه بأنه تغطية صحافية!

الحق يقال إن ما قرأته كان مجزرة صحافية للأخبار والآراء وعدم الأمانة وقله الاجتهاد، ويصفه البعض بـ«السلق السريع» تشابها مع سلق البيض الذي يعد أسهل وجبة يمكن إعدادها من دون جهد، فهي مجرد صب الماء على البيض.

ولكي أعطي أمثلة عن المجازر التي حدثت، فقد تضمنت التغطية أن الدكتور معجب الزهراني ناقش في ورقته، حيث قال معجب الزهراني، وذكر معجب الزهراني، وعقب معجب الزهراني، ومن حضر الندوة سيعرف أن الدكتور معجب الزهراني لم يحضر، وأن ورقته قرأها عنه بالنيابة الأستاذ محمد رضا نصر الله، ثانيا في جدول الأوراق المطبوع ورد ذكر الأستاذة منى أبو سليمان، فجاءت في التغطية أن منى ألقت ورقتها، ومن حضر يعرف أن منى أبو سليمان بكاملها لم تحضر لا شخصيا ولا ورقيا. هذا غير تقسيم الرأي الواحد على خمسة، فجعل من قال رأيا طويلا يمكن أن ينسب إليه ربع الرأي، وتقسيم باقي الخبر على أسماء لم تقل الرأي ذاته أو قالت كلاما لا يشبه ما قيل.

لا أورد هذه الحادثة لأؤكد لمركز الحوار الوطني مخاوفه وأشجعه على التراجع، لكنني أريد وضع الخبر تحت باب المساءلة والتشديد على دور الصحافة وأهمية الرقابة المهنية في نقل الخبر بأمانه وجدية وموضوعيه، التي هي من أهم مبادئ العمل الإعلامي وليس فبركته والتذاكي عليه، محاسبة المقصر هو ردة الفعل لما يحدث من خطأ وليس تراجع المجتهد عن نواياه الطيبة بحجة أن هناك من يفهم خطأ، لأن من يفهم خطأ يمكن أن نرشده للفهم الصحيح، وهكذا يصبح لدينا فعلان صحيحان وليس خطأين صحيحين.

[email protected]