.. «البلورة الحمراء»!

TT

قررت سويسرا الدعوة لعقد مؤتمر دبلوماسي في ديسمبر(كانون الاول) الحالي لإقرار شعار إضافي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. وقد قررت الدول الـ192 الموقعة لاتفاقيات جنيف أن تجتمع في مدينة جنيف لإنهاء جدل بدأ أثناء الحرب التركية ـ الروسية عام 1876 عندما قررت الإمبراطورية العثمانية أن تستخدم رمز الهلال الأحمر بدلا من الصليب الأحمر. وبسعيها هذا لإيجاد اعتراف بالشعار الجديد، فان سويسرا لا تعمل من أجل مصالحها الخاصة، ولكن بصفتها الدولة المودع لديها اتفاقيات جنيف ولصالح الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ووحدة الحركة وطابع نشاطها الدولي، ومن أجل تأمين الجهود الإنسانية للعاملين بها.

فمنذ الوهلة الأولى لنشأتها عام 1863، أرادت حركتا الصليب الأحمر والهلال الأحمر أن يكون طابعهما العالمية والحياد. وحرصا على إبراز هذا الطابع الحيادي تم اختيار الصليب الأحمر ـ الناتج من عكس الألوان الفدرالية السويسرية ـ ليكون شعارا للحركة بسبب ماعرف به الصليب السويسري كرمز للحياد بين الدول آنذاك. وتماما مثل الصليب الأحمر فان الهلال الأحمر والأسد الأحمر والشمس، تم الاعتراف بها عام 1929، وكلها شعارات مشتقة من رموز قومية وليست دينية.

وقد أخذ الخلاف حول الشعارات في الصعود إلى السطح بين الحين والآخر. فقد حاولت العديد من الدول أن تحصل على اعتراف بشعار مشتق من رمز وطني أو ديني. إلا أن أغلبية الدول الأعضاء أدركت أن انتشار الشعارات سوف يكون له آثار فادحة على الحركة، ومن ثم وافقت على تبني شعار واحد من الشعارات المعترف بها. وفي نهاية عقد التسعينات تم التوصل إلى حل وسط لحسم نزاع الشعار وتفادي مخاطر انتشار الشعارات. وقد نص هذا الحل على الاعتراف بشعار إضافي واحد وأخير من خلال بروتوكول إضافي ثالث لاتفاقيات جنيف لعام 1949. أما هذا الشعار الإضافي فهو على شكل بلورة مربعة الشكل ترتكز على أحد أركانها. وليس لهذا الشعار أية دلالات قومية أو ثقافية أو دينية. ويمكن أن يستخدمه كل من لا يستطيع أن يستخدم الشعارات السالفة الذكر، وبالتحديد وكالات الإغاثة في اريتريا وإسرائيل (وعلى إسرائيل بدورها أن تمتنع عن استخدام نجمة داود الحمراء خارج حدودها). وبالإضافة إلى ذلك، فيمكن أن يستخدم الشعار الجديد في معرفة الصليب الأحمر والوكالات الإنسانية الدولية في الظروف الطارئة، حيث لا تمنح الشعارات الأخرى الحماية المناسبة، علما أن في يومنا هذا تستخدم هذه الوكالات شعار الصليب الأحمر في معظم الأحيان. أما تبني الشعار الجديد فقد تم تأجيله عام 2000 لظروف اندلاع الانتفاضة الثانية. وعلى اثر مناشدة المؤتمر الثامن والعشرين لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، قررت سويسرا أن تستأنف مشاوراتها بخصوص الإقرار على البروتوكول في مارس(آذار) 2005 وعقدت العزم على إتمام مشاوراتها بشفافية تامة وحياد كامل، وعدم تحيز، سعيا وراء قرار إجماعي.

وقد أجرت 133 دولة مباحثات غير رسمية في سبتمبر بجنيف. وتأكد من خلال هذه المباحثات أنه لا توجد دولة واحدة تعارض من حيث المبدأ تبني بروتوكول إضافي، هذا إلى جانب وجود رغبة قوية لإقامة مؤتمر دبلوماسي في موعد أقصاه نهاية هذا العام. فكان هناك استعداد جاد لإجراء حوار ولإيجاد الأرضية المشتركة والرغبة الصادقة والواسعة للتوصل إلى تصور يحظى بالإجماع. بيد أن بعض الدول أرادت أن يلقى الضوء على بعض النقاط قبل انعقاد المؤتمر، ألا وهي الاستخدام الاقليمي للشعار والنطاق الجغرافي لأنشطة وصلاحيات وكالات الإغاثة، وذلك وفقا للوائح وقواعد الحركة. وكلها مجالات تتعلق بالممارسات داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 رغم عدم ذكر ذلك صراحة. وقد تم الاتفاق على أن تتولى سويسرا هذه الأمور. وخلال الشهرين الماضيين تم إنجاز تقدم ملحوظ في هذا المجال. فقد قمت بإجراء مباحثات مع العديد من قادة الشرق الأوسط، ومن بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون والرئيس الفلسطيني محمود عباس. بالإضافة إلى ذلك، فقد جمعت سويا في اجتماع بالقدس كلا من رئيس وكالة الإغاثة الإسرائيلي ورئيس وكالة الإغاثة الفلسطيني.

وتتويجا لذلك توصلت كل من وكالة ماجن دافيد آدوم، والهلال الأحمر الفلسطيني إلى اتفاق على اثر مباحثات أجريت، بناء على طلبهما، تحت رعاية الحكومة السويسرية. وقد تم التوقيع على هذا الاتفاق بحضوري يوم الاثنين الموافق 28 نوفمبر(تشرين الثاني) في جنيف، واستغرقنا وقتا طويلا في بحث الموضوعات التي تهم العديد من الدول الأعضاء، مما أدى إلى تقدم فرص التوصل إلى مساندة قوية للشعار الجديد تقدما ملحوظا. وسويسرا تشعر الآن أكثر من اى وقت سابق بمدى التزامها بإيجاد حل لهذا الموضوع الإنساني. فالوقت أصبح ملائما لبلوغ هذا الهدف الطويل الأمد من خلال انعقاد المؤتمر الدبلوماسي في الأسبوع المقبل. فالطابع العالمي لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر بات في خطر ولا يجوز أن نتركه رهنا لاعتبارات سياسية.

*وزيرة خارجية سويسرا