بين المهداوي وخلخا لي ورزكار

TT

محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وسبعة من رجال نظامه السابق، الأسبوع الماضي، أحدثت ردود فعل مختلفة، وسجلت كتابات متنوعة تقارن المحاكمة بغيرها من المحاكمات، وملاحظات على المحكمة وأشخاصها.

لعل الملاحظة التي اتفق الجميع عليها هي هدوء القاضي رزكار الذي فسر البعض سلوكه على أنه برود أعصاب متعمد، بينما فسره آخرون بأنه ضعف يجب تلافيه.

المؤيدون لأسلوب القاضي يرون فيه ثقافة جديدة تساهم في صناعة مرحلة جديدة من المحاكمات، وترسم ملامح عصر جديد للعدالة وسيادة القانون. بينما يرى معارضو أسلوب القاضي رزكار أن في أسلوب القاضي وتفهمه لمطالب المتهمين استفزازا لمشاعر ضحايا صدام ونظامه الذين بقوا على قيد الحياة، أو لأقرباء من قتلهم النظام من عراقيين وإيرانيين وأكراد وكويتيين وغيرهم..

كان أول من انتقد المحكمة السيد عبد العزيز الحكيم الذي أشار إلى ضعف أدائها، مذكرا بجرائم صدام الذي قتل من عائلته وحدها ستين شخصا.

المتابعون للشأن العراقي والعارفون بثقافة العراق السياسية يرون أن صدام حسين أكثر إنسان محظوظ في العالم، لأن من قبض عليه هم الأميركيون وليس العراقيين، لأنه لو كان أبناء شعبه هم من ألقى القبض عليه لتحول إلى قطع متناثرة من السحل بعد التعذيب والتنكيل، لكن الأمر ليس كذلك، فها هو صدام يدخل المحكمة ويتلو آيات من القرآن الكريم، ويحمل المصحف بين يديه: ما زال الكويتيون يتذكرون يوم صلى أمام الكاميرات التلفزيونية شرقا تجاه البحر ومقابل الأبراج يوم زار الكويت محتلا عام 1990!

كما لا يزال العراقيون يتذكرون محاكمات قاضي محكمة الشعب، محمد فاضل المهداوي، والتي عُقدت لمحاكمة العهد الملكي بعد انقلاب الرابع عشر من تموز 1958 والذي أطاح بالملكية في العراق. يسترجع العراقيون تلك المحاكمات بهزليتها وظلمها وعدالتها النسبية. أقول النسبية لأن العراقيين يتذكرون أيضا كيف أن صدام حسين حصد ثمانية وستين من رفاق حزبه عام 1979 في مسرحية «العمالة لسوريا»، التي كتب نصها وأخرجها وأصدر أحكامها بنفسه، وهو ينفث دخان سيجاره تارة، وتارة يذرف دمعة على رفاقه الذين «خانوه» في جلسة واحدة. وكانت الأحكام التي أصدرها سريعة وسهلة وبسيطة: «ردد شعار الحزب وأطلع... نعله على لحاكم»، والأخيرة تعني «لعن الله الحاكم». ثم يقاد الرفيق لتطلق عليه رصاصة واحدة، كان «القاضي» صدام حسين ينفذ حكم «العدالة» بنفسه أحيانا، وأحيانا يشرك في التنفيذ الدفاع والادعاء وحاجب المحكمة وحتى فراشها الذي يقدم له الشاي والسيجار.

هكذا كانت محاكمات صدام، لا دفاع ولا محام أميركي ولا قطري ولا حتى عراقي، واليوم يتعجب المتابع من أن الرجل «القاضي» الذي أصدر أحكاما بهذا القدر من العسف والظلم يستغرب عدم لقائه بمحاميه، ومصادرة أوراقه وقلمه ودخوله المحكمة حاملا المصحف والكلبشات (القيد) بيديه.

ربما لم تضاه محاكمات صدام تلك قسوة سوى أحكام قاضي الثورة الإسلامية في إيران بعيد نجاحها وسيطرتها على الأمور، صادق خلخالي، الذي حكم بإعدام ألف وسبعمائة متهم ممن سماهم أعداء الثورة. وكان قد اشتهر بلقب «جزار الثورة». واعترف بأنه قد يكون بينهم أبرياء لكن الله سيكافئهم بالجنة إن كانوا كذلك!

الفرق بين صدام وخلخالي أن الأخير أمضى أيامه الأخيرة نادما يبكي على ما اقترفه من ذنوب بحق المشتبه فيهم، بينما ما زال صدام يتعامل مع المحكمة والقاضي وكأنه ما زال الرئيس القائد الضرورة الذي لا يُسألُ عما يفعل.

رغم ما فعله صدام بوطني وشعبي وأقربائي وأصدقائي، فإنني من المصرّين على محاكمة صدام على طريقة رزكار، وليس على طريقة المهداوي أو خلخالي. وحتما، ليس على طريقة صدام..