الثقافة الصحية

TT

هناك ثقافة جديدة في العالم يمكن تسميتها، فقط لأحكام الاختصار «الثقافة الصحية». وأنا مهتم بها لأسباب محض ثقافية لا شخصية. وأعرف أن ردة الفعل الفورية على هذا القول، يجب أن تقال بالعامية المصرية: «إطلع من دول». أو بالفصحى اللبنانية: «بَسََّك بقا». وتلفظ، رجوة، باللهجة البيروتية البسطاوية. أما الحقيقة، فأنا اهتمامي لا يتعدى الثقافة العامة. وسوف أحاول الإثبات. فمن أجل التحصن ضد الزكام في الشتاء، مثلا، يحتاج الإنسان الى أن يعيش في مَعلف فيه الآتي: 12 طناً من الكرفس، 3 أطنان كيوي، 250 رطلا من البرتقال، 300 رطل يوسف أفندي، و3 كيلوغرامات طماطم. ولتقوية شرايين القلب وعضلاته ينصح بالآتي: محاصيل السنغال من الموز الفجّ قبل الاستواء. والبعض يقول قبل التخمر. وهذا خطأ لغوي شائع. فالتخمر هو أن تضع المرأة خمارها. ومنها الأغنية العراقية الشهيرة: قل للمليحة في الخمار الأسود.

وطالما قرأت عن تخفيف الوزن. وعن أفضل الطرق لذلك. ومنها ما يصلح لحياة القطط: نصف كوب حليب مع فنجان شاي مع نصف كعكة صباحا. وعند الظهر بيضة مسلوقة وفنجان ماء بارد وميلليغراما عصير برتقال طازج، وبعدها التفرج على برنامج «الشيف رمزي»! وفي المساء كوب من الحليب خالي الدسم. حبتا نقانق. 350 ميلليغرام طماطم، مع حضور برنامج عن إعداد 20 صحناً صينياً مختلفاً.

لقد قال جاك شيراك إن المطبخ البريطاني هو الأسوأ بعد الفنلندي. ولأنني مواطن لا يعبّره أحد، فقد كتبت هذا الكلام هنا قبل أن يقوله شيراك بسنوات. ويخيّل إليَّ أن المسكين قد ذهب هو أيضا الى هلسنكي وتذوَّق لحم الأيائل، الذي هو الطبق «الشعبي»، حفظك الله. ولعل أسهل، وليس أفضل طريقة لخفض الوزن، هي الإقامة في هلسنكي ما بين كانون الأول وشباط. الثلج في الخارج، والأيائل على المائدة. وعندما ذهب الصادق النيهوم طالباً الى هناك استأجر غرفة لدى سيدة متقدمة في السن ومتأخرة في كل ما عداها، وعندما خرج في الصباح استوقفته عند الباب وسألته، ما هذا الذي على رأسك، فقال ببساطة، شعري. قالت: كذاب، إنه مكنسة. وعندما سألته في المرة التالية عن شعره الأفريقي الذي حمله من سوق الحشيش في بنغازي: ماذا على رأسك، أجاب بانحناء: مكنسة يا سيدتي.

إليكم خبرتي بعد كل هذه القراءات في «الثقافة الصحية»: لا يخس وزن إلا بخفض الاستهلاك، ولا تصح صحة إلا باعتدال المآدب. الباقي ضياعة وقت وقراءة لذيذة.