يا شمعة ما تمت!

TT

بدا خلاف إدارة النادي الثقافي في المدينة المنورة مثيرا للجدل حتى بين أصحابه. فالخلاف كما تكشفه جريدة «الوطن» ظهر بين رئيس النادي الأدبي وبين أحد أعضائه المهتمين بالأنشطة، فيما لم يُحط رئيس اللجنة الثقافية بما حدث علما، حسب زعمه.

القصة تتلخص في إدراج النادي الأدبي ضمن جدول أعماله لأمسية موسيقية بعنوان «المقامات والدانات الموسيقية في المدينة المنورة.. نشأتها وأنواعها وسماتها». وكما يقول الخبر فإن القائمين على هذا النشاط توخوا السرية في إعداد هذه الأمسية والدعوة إليها، بحيث أن لا ينتشر خبرها إلا في نطاق محدود وأن لا يعلن عنها وأن يداروا على شمعة الأمسية على رأي المثل الشعبي «داري على شمعتك تقيد».

إلا أن هذا لم يمنع عن رئيس النادي المخاوف والوساوس بالمخاطر التي قد تترتب على إقامة مثل هذه الأمسية، والتي جعلته على ما يبدو يهب في اللحظة ما قبل الأخيرة رافضا إتمام الأمسية.

رئيس النادي علل قرار المنع بأن مثل هذا الأماسي لا تتناسب والخصوصية الدينية للمدينة المنورة، رغم أن التاريخ يقول بأن هذه المقامات نشأت في المدينة ولم تستورد، فالعنوان يقول «نشأتها وأنواعها وسماتها»

ما تم في أمسية النادي الأدبي في المدينة المنورة ليس بأعجب ما يتم في معظم الأماسي الثقافية والأنشطة الثقافية التي تقيمها الأندية الثقافية والجامعات والمدارس الطلابية، فعلى هامش معرض الكتاب لجامعة الملك سعود أقيمت أمسية شعرية اقتصر فرسانها على شعراء يمثلون شعر الوعظ، والشعر العمودي فقط. أما محاضرة النادي الأدبي بالرياض فقد ضمت محاضرا تقليديا يتحدث عن مفهوم العولمة الذي بدأ يظهر في صحفنا، محذرا منه ومن أخطار العولمة على الطريقة المعروفة في كل مرة.

تورط النشاطات الثقافية في آيدولوجيا فكر الصحوة الأحادي والوعظي والمباشر، واحتجاز مفهوم الثقافة في معنى واحد تقليدي وعظي إنشائي، ليسا أول المؤشرات على سيطرة الآيدولوجيا الصحوية على مرافق المجتمع ومؤسساته، لكن بقاء هذا التعريف خائفا من التصحيح والعودة للعمل ضمن نطاق الثقافة المعروف، هو مقتل للثقافة وتشويه لها وإطفاء لشموعها.

الثقافة مفهوم واسع، يتسع للشعر بكل ألوانه، والمسرح والسينما والدراما والقصة والرواية والموسيقى والفولكور الراقص والحكي الشعبي والأزياء، فأين تمثيل هذه الألوان في أندية تزعم أنها أندية ثقافية؟ وأين هذا التمثيل في أنشطة تضع اسم نشاط ثقافي عليها؟ وأين حثُّ الطلاب على التفاعل مع هذه الأنشطة من دون أن تفاجأ بأن الطالب يحمل مسابقة ثقافية كتب عليها «ما حكم مشاهدة الفضائيات» و«ما حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي»، في حين تتوارى شموع الثقافة خوفا من رياح الغاضبين والمتجهمين وكارهي الثقافة؟

إن شمعة الفكر الصحوي العنيف لا تزال تصب ماءها على ستائر الثقافة المسدلة حتى أتى حريقها على كل شيء.. فاختفت الثقافة.

[email protected]