حوار الشرق والغرب.. بعيدا عن اليمين هنا وهناك

TT

برنارد لويس كاتب بريطاني، صار أمريكيا، ولكتبه نفوذ كبير في الأوساط الغربية. ومن أهم آرائه قوله «المسلمون لا يعادون الغرب لأسباب موضوعية، إنهم يعادوننا لذاتنا لا لأفعالنا». هذا الرأي أوحى لتلميذه صمويل هنتنجتون فكرة صراع الحضارات.

لوي شتراوس مفكر ألماني الأصل، لجأ للولايات المتحدة وآراؤه قريبة من الفكر الألماني اليميني، وهى تمجد القوة عاملا لصنع التاريخ.

ومنذ ثمانينات القرن العشرين، تمددت الأصولية الإنجيلية في الولايات المتحدة على حساب الفكر البروتستنتي المعتدل.

هذه المصادر الثلاثة، هي الروافد الفكرية للمحافظين الجدد، ذوي النفوذ الكبير على إدارة الرئيس بوش الحالية.

في المقابل وفي عالمنا، قال محمد قطب: «الغرب لا يعادينا لأخطاء مزعومة نرتكبها في مجال حقوق الإنسان، أو أي مجال آخر. إنه يعادينا عداء صليبيا جوهريا، والعلاقة بيننا تقوم على مواجهة مصيرية، إما نحن أو هم والنصر المحتوم لنا».

هذه الرؤية ضمن رؤى أخرى كثيرة، تعرضت لها في مجالات أخرى، تكمن وراء حتمية المواجهة بين فسطاطين. وسوف تضطر كافة القوى الأخرى للوقوف مع أحدهما.

ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة صارت أجندة المواجهة هذه بارزة في مجال العلاقات الدولية.

لقد توالت المنابر المعنية بهذه القضايا، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

ـ في فبراير 2002 نشر ستون مثقفا ومفكرا أمريكا، رسالة موجهة إلى المثقفين العرب والمسلمين يفتحون معهم حوارا.

ـ منذ عام 1989 وفي كتابي تحديات التسعينات توقعت استقطابا بين غرب معتدل وشرق مستنير من ناحية، وغرب مشدود للهيمنة وشرق محتج بالعنف من الناحية الأخرى. وفي مؤتمر إسلامي بالقاهرة حول موضوع العلاقات بين الحضارات في مايو 2002 ذكرت احتمالي الحوار والصراع وحددت المطلوب ليصبح الحوار ممكنا.

ـ وفي عام 2003 أعلن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في خطاب أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة الدعوة لحوار الحضارات.

ـ وتوالت بعد ذلك لقاءات ومؤتمرات كثيرة في بلدان العالم تنادي بحوار الحضارات.

ـ وفي عام 2005 خطا رئيس الوزراء الأسباني الجديد خطوة أخرى، إذ دعا في خطابه أمام الأمم المتحدة لتحالف الحضارات وفي 16 من نوفمبر 2005 دعينا لمؤتمر حوار الشرق والغرب في مدينة برشلونة الأسبانية، وفي المؤتمر طرحت رؤية أدخلها المؤتمر في توصياته. خلاصتها:

الحضارات كيانات فضفاضة بحيث، لا نستطيع أن نحدد من يمثلها؟ وكيفية تفاوضهم.

ومع أن فكرة حوار الحضارات فكرة حميدة، فإن منظري الهيمنة سطوا عليها لتحقيق امتثال الغرب كله للقيادة الأمريكية، باعتبارها قيادة حضارية على نحو ما كان في الحال أيام الحرب الباردة. والعدو الحضاري الجديد هو الحضارة الإسلامية. لذلك ينبغي استبدال فكرة حوار الحضارات، لأنها فكرة فضفاضة بالحوار حول الأجندة الأممية المكونة من عشر نقاط هى:

الأولى: شهد العالم منذ الثمانينات انتعاشا أصوليا دينيا، شمل كافة الأديان العالمية. هذه الظاهرة وثقتها دراسة أجرتها جامعة شيكاغو في عام 1983. الحوار الديني يمكن أن يحقق طائفة من المزايا: إزالة سوء الفهم المتبادل ـ اكتشاف القيمة الروحية والخلقية في الأديان الأخرى ـ اتخاذ مواقف مشتركة من القيم الإنسانية الكلية مثل كرامة الإنسان وسلامة البيئة.. الخ.

الثانية: قضية التحديث في المجتمعات التقليدية.

الثالثة: العولمة والخصوصيات الثقافية.

الرابعة: العامل الاقتصادي، فخمس العالم يستمتع بأربعة أخماس دخوله والفجوة تزداد.. الدول الغنية تجنبت الحرب الطبقية بالاعتراف بالطبقات العمالية وتمكينها. وينبغي أن تتعامل بنفس بعد النظر مع المناطق الفقيرة من العالم.

الخامسة: التعليم الآن في مدارسهم ومدارسنا يعتمد على مراجع تحتوي على أخطاء وأوهام عن الآخر الديني والثقافي، لا سيما في البلدان الغنية. هذه المراجع ينبغي أن تصحح.

السادسة: الإعلام الآن صناعة تحتكر جلها الولايات المتحدة، كما تحتكر مراجع الإنترنت ولا بد من مراجعة الموقف على أساس اكثر عدالة وموضوعية.

السابعة: هنالك عدد كبير من نقاط الالتهاب العالمية مثل قضايا فلسطين، وكشمير وغيرها، ينبغي حلها حلا عادلا.

الثامنة: إصلاح نظام الأمم المتحدة، ليصبح اكثر عدالة وديمقراطية، ويحول دون الأحادية الدولية ودون ثنائية المعايير، كما هو الحال الآن في أمر منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

التاسعة: سياسات التعامل مع الأقليات الدينية، والعرقية والثقافية، لتصير عادلة ومعترفة بالآخر في بلدانهم وبلداننا.

العاشرة: هذه الحوارات لن تحقق مقاصدها ما لم تكن بين كيانات حرة وتمثل شعوبا حرة، وهذا يعني نظما ديمقراطية. الديمقراطية مطلوبة في حد ذاتها وهى السبيل لانتخاب أطراف حوار ذات شرعية.

الديمقراطية نظام يقوم على مبادئ كلية ولكن تعترضه عقبات بعضها داخلي وبعضها خارجي.

العقبات الداخلية أمام الديمقراطية، ينبغي أن تحددها وتواجهها القوى السياسية في البلدان المختلفة عليها أن تتولى مهمة الدفع الداخلي، ولكنها لن تفلح ما لم تصاحبها عوامل جر خارجية.

لقد تبين أن التنمية الاقتصادية والسياسية في العالم النامي، تتطلب دفعا داخليا قويا يساعده سحب خارجي.

هنالك الآن مبادرات كثيرة حكومية وغير حكومية، تعمل في مجال تقديم هذه المساعدات. هذه المبادرات والهيئات المرتبطة بها ينقصها التنسيق والمتابعة، ولا يمكن توافرهما إلا إذا أقيم مجلس للشؤون الاقتصادية والاجتماعية يحتل موقعا موازيا لمجلس الأمن الحالي، ويعني بالأمن في معناه الواسع الاجتماعي والايكولوجي.

إن الحوار حول هذه النقاط العشر، هو الذي يستطيع أن يحقق نتائج ملموسة تجنب العالم المواجهة الحتمية بين القوى الظلامية ويحقق مستقبلا أعدل وأفضل للإنسان آية الهندسة الإلهية:«لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم» سورة التين الآية( 4)