شتان!

TT

خبران مررت بهما في الايام الاخيرة كان المفروض فيهما ان يهزا كل من عندنا من ساسة ومسؤولين ومفكرين وصحافيين، ويزلزلا هذه التربة النائمة التي يغفو فوقها الانسان العربي لتفيقه من سباته. كان الاول فوز اسرائيل بالمكانة الاولى في تكنولوجيا المعلومات وكان الثاني وقوع الدول العربية في اسفل قائمة التفوق في الرياضيات. يجسم هذان الخبران سر انهزاماتنا في سائر الميادين. ومع ذلك مر الخبران مرور الكرام، أو بالأحرى مرور الجهلاء، دون ان اقرأ اي تعليق او تصريح في عالمنا العربي البائس.

وهذا شيء مؤلم حقا ونحن نتذكر ان عالمنا العربي هو الذي علم البشرية الحساب والجبر والرياضيات. ولكن سبحان مغير الاحوال من حال الى حال.

عندما اندلعت الحرب الباردة بين السوفييت والغرب، انطلق تشرشل فورا لمناشدة الدول الغربية بمواجهة الخطر السوفييتي بالتسلح العلمي التكنولوجي واشاعة تدريسه في المدارس والمعاهد. هذا هو السباق الذي جرى بين الشرق والغرب. وعندما نقارنه بردود الفعل التي صدرت من دول المواجهة العربية، وخاصة مصر، امام نكسة 1967، نفهم سر التردي المستمر الذي عاشته الجبهة العربية. حتى حسن الترابي ندد اخيرا بهذا الحل الغيبي.

قلت في مناسبة سابقة انه اذا اردنا الاصلاح فعلا فعلينا ان نبدأ بتدريس نظرية التطور في مدارسنا لان الاصلاح يتطلب ادراك سنة التطور والتقدم وديناميكية المجتمع والتاريخ والاعتراف بأن يوم غد سيختلف عن يوم امس. يقال مثل ذلك عن الرياضيات, فهي التي تعبئ الذهن للنظر في الامور من زاوية المنطق والعقلانية والحساب المجرد. انها ليست مسألة صنع صواريخ وكمبيوترات وحسب.. انها مسألة خلق دماغ جديد مهيأ لمعالجة المشاكل بموضوعية عالمية ناجعة.

كلما التقيت باستاذ من اساتذة الرياضيات سواء في عالم السياسة والادب او الفن، انبهرت بطريقته في النظر الى المادة المطروحة امامه، حتى ولو كانت لوحة زيتية لمنظر طبيعي. اننا نعيش في دنيا الارقام. هناك كاميرات رقمية وتلفونات رقمية وصور رقمية وساعات رقمية. اصبح كل شيء رقميا.

لماذا تأخرنا عن سوانا رقميا؟ هذا سؤال يرتبط بسؤال آخر، لماذا تأخر مستوى طلبتنا عن مستوى طلبة الدول الاخرى رغم زيادة ما نصرف على مدارسنا مما يصرفه الآخرون على مدارسهم؟ هذا لاننا نضيع وقت اولادنا في دروس لا تنفع ولا تغني عن الجهل، في حين ان الآخرين يكرسون مدارسهم لاعداد اولادهم لمستجدات العصر العلمية والتكنولوجية.

العراق الذي علم البشرية الرياضيات والفلك والارقام يواجه الآن في انتخاباته القادمة هذا السؤال: هل يريد البقاء او بالاحرى العودة الى الغيبيات والبكاء على الاطلال ام يختار النهوض والعصرنة والتعامل مع آخر المكتشفات والتطورات وحريات القرن الواحد والعشرين وتطلعات المستقبل العلماني المنتصر؟ هذا هو في الواقع الخيار الذي يواجه كل ناخب الآن.