إذا طحت يا فصيح لا تصيح

TT

إنه يؤمن بالمثل القائل: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، إذا كنت تستطيع أن تؤجله إلى أسبوع، ويتشبث كذلك بالمثل المأثور القائل: بالتأني السلامة وبالعجلة الندامة، ويضيف من عنده: وبالكسل والنوم تدوم النعم.

إنه يسيّر حياته (بالبركة)، والذي يعمله أي إنسان في يوم واحد، هو يعمله بالكاد في أربعة أيام من دون أن يتمه على أكمل وجه.. وكان دائماً يقول لي مندهشاً: لماذا الركض، الدنيا لن تطير، و(شمس تطلع وخبر يبان)، على مهلك، على مهلك، تريث، تريث، ثم يردف كلامه وهو يضحك ساخراً مني ويردد مثلاً شعبياً يقول: (إذا طحت يا فصيح لا تصيح).

فأتركه جالساً على كرسيه الهزاز، وانطلق طالبا (العلا)، حيث إنني لا اقنع بما دون النجوم.. وبعد أن ينتهي النهار ويطبق الليل وتظهر النجوم، اكتشف أنني (فين والنجوم فين)؟! وعندما أتيقن من مكاني تماما، واعرف قدراتي، وحصيلتي المتواضعة جداً التي خرجت بها من تلك (المعركة) اليومية، يجتاحني إحباط بارد (فأنخ) دفعة واحدة، وأتذكر ذلك الحكيم الكسول الجالس على كرسيه الهزاز.

فأذهب له لأحقق المثل الواقعي القائل: (اتلم المتعوس على خايب الرجا).. طرقت الباب فأتاني صوته قائلاً: ادخل، بدون أن يسأل من الطارق، دفعت الباب وإذا هو مفتوح أصلاً، ووجدته جالسا في تراس منزله مثلما تركته، قلت له متعجبا كيف قضيت الساعات الطويلة على هذه الحال، ألا تأكل، ألا تقضي حاجتك؟! قال لي: بلى، إنني أتحرك أحياناً، قلت له: الحمد لله فالدود في هذه الحالة لن يقضي عليك.

قال لي: تصور إن زوجتي طلبت مني أن أوصلها للسوق، فقلت لها إنني أريد أن اغسل السيارة، ثم تذكرت أنني سمعت بالنشرة الجوية في ليلة البارحة أن السماء سوف تمطر غدا، فحمدت الله، وأجلت غسيل السيارة، وقررت بدلاً من ذلك أني اسقي بعض الشجيرات في منزلي، ثم قلت بيني وبين نفسي: وعلى إيه؟!، طالما أن السماء سوف تمطر.

ولا اكذب عليكم أن أعجبت بعبقريته (التأجيلية) تلك، وبعد أن مكثت معه ردحا من الزمن ودعته، وذهبت إلى منزلي، وعند الصباح حضر نجار كنت قد طلبته لتركيب بعض الرفوف في المطبخ، وذهبت إلى مكتبي لأكتب مقالا، غير أنني خمنت أن النجار قد يغلط بالتركيب، فذهبت لكي أتأكد، وعندما وجدت أن الشغل ماشي عال، رجعت، وقبل أن ابدأ أطبق الصمت من المطبخ، فذهبت لأستعلم، وإذا بالنجار توقف لينشر بعض الخشب، ورجعت ورتبت أوراقي وأمسكت مرسمتي، وفجأة بدأ النشر ثم الطرق ثم الحفر (بالدرل)، وتبخر الموضوع الذي كنت انوي كتابته من رأسي تماما، عندها تذكرت الحكيم الكسول، الذي لا أتذكره إلا بالملمات، ومن اجل الاقتداء به قررت أن أؤجل كتابة المقال إلى الغد، وها أنذا اكتب إليكم بعد أن أصبحت بالغد، وقد حاولت جاهدا أن أتذكر الموضوع الذي أضاعه عليّ نشاط النجار ولكن من دون جدوى.. وكتبت بدلا منه هذا الكلام (البايت) الذي تقرأونه.

[email protected]