ما الذي يبهرني أكثر؟!

TT

سؤال غريب، ولكن الإجابة عليه أنني في أول حياتي الصحفية ذهبت لأجري حديثا مع أحد علماء النفس القادمين من أميركا، أعجبني الحديث وأبديت إعجابي بالبيت أيضا، وأسعده ذلك، وقال: لا بد أن ترى الفرن الأميركي، ووقفت وتمليت الفرن الأميركي ورأيت كيف أشعله لا بالفحم ولا بالجاز ولا صوت له، ونشرت الحديث تتوسَّطه صورة طويلة عريضة مكتوب تحتها «ويرى المحرر وقد وضع يده على الفرن الأميركي»، وصورتي في منتهى السعادة.

أما الفرن الأميركي فهو (البوتاجاز) العادي جدا، ولما ذهبت إلى قواعد إطلاق سفن الفضاء والمكوك الفضائي، لم أفكر في أن تكون لي صورة معها، فهي موجودة على كل شاشة وفي كل بيت.

وكان حالي حال رفاعة الطهطاوي عندما ذهب إلى باريس ورأى «عربة الرش» أي رش المياه، فتوضأ وصلى ركعتين وطلب من الله أن يقيض للكنانة مثل هذا الاختراع اللطيف، وقارن الطهطاوي بين هذه العربة التي ترش ميدان الكونكورد في ساعات بينما نحن في مصر نرش أحد الميادين بالدلو في يوم كامل!

وانبهرت كما انبهر الكاتب الأميركي مارك توين عندما رأى المطبعة في منتصف القرن التاسع عشر، كتب يقول: لأول مرة في التاريخ أجد حروفا خشبية منفصلة بعضها عن بعض ومرصوصة رصا دقيقا، ثم أنها تظهر على الورق في ثانية، عجبي!

وفي رواية «حديث عيسى بن هشام» للمويلحي نجده يتحدث في ذهول عن الراديو، ماذا يقول وكيف يقول ولا أحد يعرف كيف انحشر الناس في هذا الصندوق الصغير!

قال لي قارئ نشرة الأخبار في التليفزيون المصري انه عندما ظهر لأول مرة فزعت أمه كيف انه «انسخط» وأصبح صغيرا في صندوق لدرجة أنها أمسكت فوطة وراحت تحرك الهواء خوفا من أن يختنق!

وكلنا مبهورون بالتليفون المحمول الذي تحرك قشرة معدنية صغيرة بها الذاكرة والألوان والموسيقى والصورة، وهي لا تزيد عن مساحة الأظافر وننسى أن الذي اخترع كل ذلك شيء هلامي لونه سنجابي فوق دماغك: المخ، ففي هذا المخ كل تاريخ البشرية والإنسان والماضي والحاضر والمستقبل ولا فرق بين مخ الإنسان العبيط ومخ اينشتين، كيف؟ إنها إحدى معجزات الله!