البلاغ المبين

TT

أجمع بلاغ مكة الأخير، الذي عقد برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، على أن قضايا إسلامية مهمة مستجدة تستوجب من الحكومات المسلمة التصدي لها وبحث تصحيح مساراتها المغلوطة، وعلى رأسها التكاتف من أجل محاربة الإرهاب والفكر الذي يحرض عليه.

وقد أشار بلاغ مكة إلى ضرورة تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام ومراجعة وتنقية المناهج التعليمية، التي تسهو عن بعض ما يقود إلى الفكر الإرهابي، الذي يعاني منه اليوم العالم كله، ويموت من جرائه مسلمون وغير مسلمين.

مرة وفي حمى شجبي واستنكاري لبشاعة القتل المجاني وسذاجة الطرح المتستر وراءه، قلت في مقال لي «ويقتلون المسلم وقد حرم الله دمه!»، أرسل لي قارئ كريم يصحح لي قائلا، هل تقصدين أن غير المسلم حلال قتله!

فاعتذرت له عن انسياقي أحيانا في عبارات معتادة من دون قصد معناها النهائي، لكن مشرفا من التربويين الذين يعملون في جهاز التربية، فاجأني بأن ذلك القول ليس اعتياديا، بل لا يخلو من سمة منهجية، ففي مادة الفقه للصف الأول ثانوي، في مسألة شروط القصاص هي (أن يتساوى القاتل والمقتول في الدين والحرية، فلا يقتص من مسلم بكافر ولا بحُر من عبد). ويقول المشرف التربوي «فوجئت بابني المراهق يسألني: هل معنى هذا أنه يمكن أن أقتل كافرا في الطريق فلا يقتص مني؟».

في كتاب القراءة العربية ومهارتها للصف الثاني والأول متوسط سؤال يقول: «لو وجدت قريبا معجبا ببلاد الغرب الكافر وحضارته وأهله فماذا أقول له؟». وفي منهج اللغة الإنجليزية للصف السادس الابتدائي، قام المشرفون على المادة بطمس وجه الملكة إليزابيث وترك الرسومات الأخرى.

أما جامعة الإمام محمد بن سعود، فقد منحت عام 2000 درجة الشرف والامتياز لأطروحة دكتوراه بعنوان «الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها»، تضمنت أحكاما بالتكفير على مائتي مبدع عربي مسلم، من بينهم رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده المصري وعلي عبد الرازق والدكتور نصر حامد أبو زيد، ومن السعوديين كفرت الأطروحة أو حكمت بالضلال والمروق على أدباء سعوديين ومفكرين، من بينهم الدكتور عبد الله الغذامي. وهذه الدراسة صدرت في ثلاثة مجلدات، عن دار الأندلس الخضراء بجدة.

أما بشأن حالة الفقه في المناهج التعليمية، فهي تعاني من افتقاد التعدد الفقهي وقضايا العصر، فهل ما زال اليوم صالحا، خصوصا بالنسبة لتلاميذ الابتدائي أو المتوسط، استخدام مفاهيم وأفكار تتعلق بـ: العبيد وأنصبة زكاة الإبل والغنم... الشيء الذي يوجب جعلها دروسا طويلة تستغرق أحاديث وشروحات مفصلة في مناهج الطلبة في المرحلة الابتدائية، كما أن بعض هذه المناهج تلتزم بموقف فقهي واحد، والجزم برأي واحد لا يصح سواه، خاصة في ما يتعلق بحجاب المرأة، وولاية المرأة مثلا، اللذين تتعدد فيهما المواقف الفقهية، ومسألة مثل حكم سماع الموسيقى واللحية والزي الإسلامي، وغيرها من المسائل الخلافية الفقهية، فيتخرج التلميذ معتقدا بأن هذه القضايا قطعية الحكم، ومن يأخذ موقفا مغايرا فقد خالف الإسلام. ولهذا يشعر عدد من السعوديين، الذين يسافرون إلى خارج بلادهم، بأن معظم المجتمعات الإسلامية تخالف الإسلام وأنها على خطأ ووحدهم على حق.

وإن كان الحال في مناهجنا وجامعاتنا هكذا، وليس بين يدي غير أمثلة بسيطة، فقد صارت هي الحاوي الرئيسي لفكر يستسهل تكفير الآخرين والخلاف معهم والقطع بخطئهم على مسائل متعددة الأوجه يجوز الخلاف فيها، فمن يصحح بعد ذلك ما أفسدته بعض هذه المناهج وما خرجت به أطروحات جامعية معينة تحمل درجة الشرف والامتياز في تكفير الشيوخ والمبدعين والمفكرين المسلمين؟!

[email protected]