الإعلام العربي يتكلم «شعبي»

TT

مجلة تصدر عن وزارة التربية والتعليم السعودية أفردت 65 صفحة لموضوع الغلاف الذي يتحدث عن الإعلام الغربي الذي يتكلم «عربي» وقصدت به القنوات والإذاعات والدوريات العالمية التي تصدر معرَّبة. الملف حوى مقالات لكتاب عرب ومحليين طغى على غالبيتها الهجوم على هذه الوسائل، وبلغ وصف أحدهم لها بأنها «من أدوات الحرب والإخضاع الأميركي».

حسناً. معظم المقالات حفلت بعبارات «السم في العسل، الخطورة، الخبث، والمدسوسة».. الى آخر مفردات القاموس العربي الثقافي ـ السياسي. واللافت أن أحد كتاب المقالات الأكاديميين في المجلة أشار، في رصده التاريخي للتجربة الإعلامية الغربية بعد تعريبها، إلى أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى احترام هذه القنوات هو استقطابها لرموز الفكر في ذاك الوقت، منتقداً الوضع الإعلامي العربي الذي لم يتح لها مجالاً للنقد والحديث بحرية عن الأنظمة. غير أنه عاد في نهاية مقاله ليهاجم القنوات الغربية الحديثة من بوابة أنها ذات أجندة خفية بإتاحتها الفرصة للقوى المعارضة المنتقدة للأنظمة الحاكمة.

بعيداً عن الجدل السياسي بعناوينه العريضة حول هذه القنوات وعلاقتها بالسياسة الأميركية، سلباً وإيجاباً، ناقشت كاتبة في نفس الملف تأثير هذه القنوات على الشباب، وقالت «تشكل الأغاني ما يعادل 75 في المائة من إذاعة سوا. ولكن إذا كان ظاهر هذه الإذاعة الرحمة فباطنها هو الخداع والكذب والتدليس.. وما الأغاني العربية والأجنبية التي تنطلق من هذه المحطة إلا واجهة تخفي وراءها نوايا خطيرة .. ما تبقى من وقت القناة يتلقى خلاله الشاب جرعات صغيرة ومركزة مرتين في كل ساعة لنشر الثقافة الأميركية وترويج سياستها».

لست في معرض الدفاع عنها إذاعة «سوا» وأخواتها، ولا أريد. ولكن الجدير ذكره أن الكاتبة لم تقدم دليلاً واحداً من القناة يؤيد كلامها، أو تستشهد بعبارة أو برنامج. وهذا سيكون مفهوما أكثر إذا زدنا تقليباً في صفحات المجلة لنجد باحثاً متخصصاً في هذه القنوات، ما فتئ يردد أن قناة «الحرة» عاكست توقعاته بنسبة حياديتها، والتي عاد «ليتوقع» أنها «على اقل تقدير محاولة لكسب رضا المشاهدين».

بحث مبني على تفنيد توقعات، وكاتبة مقال على ست صفحات لا تقدم دليلاً واحداً يؤيد رؤيتها لنفهم ونقرر معها، وتتعامل مع الإعلام وكأنه كبسولة منوم تذاب في عصير الليمون فتسترخي وتنام ومن ثم تصحو لتجد عقلك مسلوباً.

العامل المشترك بينهم جميعاً احتقار عقول الشباب والتعامل معها على أنها سلة فواكه كلٌ يريد الحصول على حصته. والتجهيل الكامل والمنظم لقدرات الشباب واحترام رغباتهم. فإذا تحدث الشاب بشكل مختلف فهو حتماً متأثر بالثقافة الغربية، وإذا أيد رأياً سياسياً غير شعبي فهو مخترق فكرياً، وإذا ارتدى الجينز واستمع لأغنية غربية فهو إمعة.

ألم يسأل الباحثون الصناديد: ما الذي أتاح لهذه القنوات هذه المساحة في حياة الشباب؟ لماذا هذا التلويح المستمر بوجوب التحكم في خيارات الشباب الثقافية؟ ألم نمل جملة الغزو الثقافي الممجوجة والتي لم تعد تليق بمثقف محترم، حتى وان اصطلاحياً، فقد استبدلت بالعولمة ؟ ليت صفحات المجلة التي توزع في جميع المدارس الحكومية تفرد صفحاتها للإعلام العربي الذي يتحدث كلاماً «شعبياً»، وما فتئ يعيد مجتمعاتنا كباراً وشباب إلى الوراء .. وأسألوا أهل العراق أيهما أخطر: الإعلام المعرب أم العربي الأصيل ؟

* مقال يتناول آراء الشباب حول قضايا الساعة

[email protected]