انتخابات العراق.. تصويت كثيف للهوية الوطنية

TT

لا بد ان الذين تابعوا الحملة الانتخابية في العراق عشية اقتراع الخميس الماضي فطنوا الى ان قادة «الائتلاف العراقي الموحد» بدوا عصبيين.. مضطربين، حتى انهم رفضوا المشاركة في المناظرة الختامية التي نظمتها فضائية «العربية» مساء الثلاثاء لزعماء الكتل الاربع الرئيسية التي تنافست في هذه الانتخابات، فاقتصرت المناظرة على الزعيم الكردي مسعود بارزاني عن «التحالف الكردستاني» ورئيس قائمة «العراقية الوطنية» أياد علاوي وأمين عام الحزب الاسلامي العراقي طارق الهاشمي عن «جبهة التوافق العراقية».

وتميزت تصريحات قادة «الائتلاف»، وبالذات عبد العزيز الحكيم ورئيس الحكومة ابراهيم الجعفري، وعلى هامشهما حليفهما السابق واللاحق احمد الجلبي، خلال الحملة، بالتوتر، وهو ما بان في لهجة التحامل على «العراقية الوطنية» خصوصا.

وراء ذلك سر بسيط، هو ان قادة «الائتلاف» وجدوا انفسهم في هذه الانتخابات، في وضع مختلف عما كانوا عليه في الانتخابات السابقة.. وضع ينذر بانتهاء «العصر الذهبي» لهم الذي بدأ مع مجلس الحكم وتكرس في الانتخابات السابقة، وهو العصر الذي اصبحت فيه الطائفية السياسية نظاما للحكم في العراق، وأعطي فيه للاحزاب الطائفية الشيعية دور في هيئات السلطة العليا (مجلس الحكم، المجلس الوطني، الحكومة المؤقتة، الجمعية الوطنية، الحكومة الانتقالية) اكبر بكثير مما تستحقه، على حساب دور الاحزاب والحركات الوطنية، باستثناء الكردية.

عراق ما بعد انتخابات الخميس لن يكون هو عراق ما قبلها، فالطائفية السياسية الشيعية، التي اشعل سلوكها في المقابل طائفية سياسية سنية، لن تكون لها الهيمنة في مجلس النواب الذي سينبثق في غضون الاسابيع القليلة القادمة... السنة ستكون لهم حصتهم المناسبة، والأكراد محفوظة حصتهم، والحركة الوطنية الديمقراطية التي تركزت جهود «الائتلاف» على تهميش دورها، ستكون لها حصة مناسبة هذه المرة عبر «القائمة العراقية الوطنية» والقوائم الاخرى الصغيرة غير الطائفية.

في ظل البرلمان الجديد ستتوازن الى حد معقول المعادلة السياسية المختلة الآن، فهذا البرلمان سيعكس توازنات المجتمع العراقي الدقيقة. والواقع ان الإقبال الكثيف على انتخابات الخميس عبّر عن رغبة عراقية عارمة في العودة الى الدولة، المجسدة للهوية الوطنية الشاملة، وفي الانفكاك عن الهوية الطائفية السياسية التي سعت الاحزاب الطائفية، الشيعية والسنية على السواء، لتكريسها، فالعراقيون الذين انهكتهم دكتاتورية صدام حسين وحروبها خرجوا الآن من تجربتهم المريرة الجديدة في ظل الاستقطاب الطائفي الحاد، بنتيجة مفادها ان الدولة الوطنية الديمقراطية الفيدرالية، وليست الطائفية، هي الحارس الأمين والحامي الموثوق.

التصويت الكثيف في صناديق الاقتراع كان هذه المرة لصالح العراق كله، وليس لصالح طائفة، وهذا مؤشر ايجابي يحرض على التمسك بأمل الخلاص من المحنة الراهنة.

[email protected]