حوار في أبها..

TT

دعيت للمشاركة في الجولة الخامسة من الحوار الوطني، هذا اللقاء السعودي بين أطياف المجتمع المختلفة الذي يناقش في كل مناسبة محورا دقيقا ويخرج بتوصيات مهمة تقدم لولي الامر.

واللقاء نقل الاهتمام من الساحة المحلية الى الساحة الخارجية، فالمحور كان معنونا بنحن والآخر، وتم الاتفاق على ان الـ«نحن» تعني السعوديين، والآخر في كل ما هو غير سعودي. ولكن كانت هناك محاولات مستمرة لتثبيت فهم نحن على انه كل ما هو مسلم، ولم يكن هذا هو مثار الجدل الوحيد فقد نال مفهوم الولاء والبراء الكثير من الاهتمام والمتابعة والتباين ووضح وجود فجوات كبيرة حول مفهوم المعنى والذي كان «معيارا» للتعامل مع الآخر غير المسلم. ولكن اللافت ان الكثير من القضايا الخاصة بجزء الـ«نحن» كانت دوما ما تعود للتداول، فلقد كانت هناك فرضية «اننا اذا لم نحترم أنفسنا فلن يحترمنا الغير». وبالتالي الحديث عن التعددية السعودية وقضايا التسامح والمرأة والشباب كانت دوما ما يتم تداولها واحيانا بحدة واضحة. الحوار الوطني السعودي نقل للمرة الاولى مباشرة على الهواء في خطوة جريئة توضح حجما مهما من زيادة جرعة الثقة في النفس في الخطاب الاعلامي وكان ما يتم تداوله داخل جلسات الحوار من الجرأة والوضوح والوطنية ما يثير حفيظة الكثيرين وبقدر ما كانت جلسات الحوار الوطني في ابها مهمة ولافتة، كانت الجلسات الخاصة التي حدثت في مناسبات الغداء والعشاء وردهات الفندق الذي اقيمت فيه المناسبة، فبالرغم من الاحاديث المتلفزة واللقاءات الصحافية والصور الفوتوغرافية الا ان الهوة الفكرية تبدو انها ما تزال موجودة، ولكن لا بد من التفاؤل، فهناك العديد من الصور اللافتة والمهمة التي تركت انطباعا في الذاكرة لن ينسى. كاميرا وميكروفون احدى المحطات المعروفة بمنهجها المتشدد كانت تحاور احد علماء الشيعة السعوديين في مشهد غير قابل للتصديق وحوار آخر بين شيخ متشدد وهو يجادل ضيفة معه ويطلب منها تغطية وجهها كي «لا تفشلنا» وهي توضح له انها بالفعل ترتدي حجابها الشرعي الذي يسمح لها بكشف الوجه. ولكن السعودية تسير في حالة من السوية الاجتماعية طال انتظارها وبدأ وعي عقلاني يصل لأرض الواقع، فلا جدال ان السعوديين مسلمون، وبالتالي فالمزايدة في هذا الموضوع باتت تثير الاستغراب، والاهم هو «نوع» الاسلام المطروح، فاليوم السعودية مطالبة ببناء الجسور لا هدمها، الدعوة بالتي هي احسن لا بالتي هي ابغض، ويبدو ان الخطاب السياسي الرسمي السعودي في الشأن الديني سقفه التسامحي اعلى بكثير مما يطرح من قبل بعض المؤسسات الدينية . السعوديون باتوا حواريين وكل الامل ان تنتقل عدوى الحوار المفتوح وعلى الهواء لمؤسسات اخرى كمجلس الشورى وهيئة كبار العلماء في تداولاتهم ليعرف الناس دوما ان الحقيقة تحتمل الرأي والرأي الآخر، وبالتالي يكون الحوار حالة دائمة في حياتهم، لا عارضا طارئا وموسميا. الحوار الوطني في ابها لم يكن حدثا مهما فقط، ولكنه نقلة نوعية وتاريخية في مسيرة السعودية لو تمت ترجمة توصياته الى أرض الواقع.

[email protected]