استدراك وطني

TT

عندما اعلن الرئيس علي عبد الله صالح في الصيف الماضي انه لن يخوض معركة الرئاسة في العام المقبل، مكتفياً بربع قرن ويزيد من الحكم الجمهوري، كتبت هنا ان الرجل قد يعود عن قراره نزولاً عند «رغبة شعب اليمن». ووفقاً لجميع الاصول الديمقراطية. وها هو الحزب الحاكم في صنعاء يتخذ الخطوة الاولى في سبيل إقناع الرئيس والنزول عند «رغبة شعب اليمن».

هناك قصور واضح من قبل جماهير شعبنا العظيم، اذ يفوتها دوماً ان تشكر الاحزاب الحاكمة على تكليف خاطرها بما لا حاجة اليه. كالمؤتمرات واللجان وغيرها من مصاريف ونثريات. فما دامت «رغبة الشعوب» معروفة سلفاً ومقروءة في عيون الناس، فلماذا هذا التكبد الذي لا لزوم له. ففي مثل هذه الحال تكلف وزارة شؤون الرئاسة بإصدار بيان زاخر بالمشاعر يخاطب الناس، ناخبين وقصاراً، بأن رغبتهم العامرة مقبولة، ولكن لمرة اخيرة فقط.

من الصعب على العقيد علي عبد الله صالح، او سواه، الخروج على القواعد والأصول الجمهورية في العالم العربي، حيث يقتضي ان يخلف الرئيس نفسه، لكي يجنب البلاد خطر ان يخلفه سواه. فما اضيق هذه الأمة ساعة الاختيار. لا يعود فيها سوى رجل واحد وحزب واحد وطبعاً صوت واحد. وكان لبنان في الماضي بعيداً عن نظرية العهود التي ترث نفسها، لكننا انضممنا الى القافلة برفع الأيدي. والصدفة الغريبة ان جميع الانظمة الجمهورية الوارثة نفسها باعتزاز نزولاً عند رغبة الشعوب، على رأسها عسكري. طبعاً مع اختلاف الرتب. فالرئيس اللبناني «عماد»، فيما اكتفى معمر القذافي برتبة عقيد، تيمناً بجمال عبد الناصر ورتبة «البكباشي» كما كان يقال آنذاك. اما علي عبد الله صالح فاكتفى برتبة العقيد، تواضعاً امام رتبة «المشير» التي بلغها الرئيس عبد الله السلال، وهي مرتبة كانت رائجة آنذاك، تقليداً للمشير عبد الحكيم عامر.

مع وصول العسكريين الى الحكم في العالم العربي الغيت تلقائياً فكرة التقاعد. هناك امام الزعيم مهمات كبرى لا تنتهي وعليه ان يعمل، متعباً، حتى انهائها. ثم ان جماهير شعبنا العظيم تعرف من هو المنقذ. والمنقذون لا يريدون ان يكسروا خاطرها. هل هناك من يجرؤ على مخالفة ارادة الجماهير؟