يا أمانة جدة.. ليت الذي حدث لم يحدث!

TT

من أخطائي التي لا تغتفر أنني أبدأ يومي بقراءة الصحف عبر «الإنترنت»، وهي بداية ليست جيدة من الناحية السيكلوجية، فغالبا ما تصدمك الجرائد ببعض أخبارها المستفزة التي تجعل كامل يومك يتسم باللون الكحلي.. وصباح الأربعاء 21/12/2005 تفرغ من دعائك الذي توارثته من والديك: «يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم» ثم تبدأ في قراءة صحيفة محلية، وتصطدم عيناك بعنوان مثير: «إغلاق متحف طارق عبد الحكيم بحجة عدم الترخيص»، تفرك صلعتك قليلا، تمسح زجاج نظارتك جيدا، تهمس لنفسك متسائلا:

ـ معقول؟!

تقذف ذاتك داخل الخبر وتقرأ: «أغلق أمس متحف الفنان طارق عبد الحكيم، وقال عبد الحكيم: إن دورية من رجال الأمن يرأسهم ضابط برتبة عقيد داهموا متحفه عصر أمس الثلاثاء وأغلقوا بوابته بقفل وسلاسل ثقيلة».. تتدلى داخل الخبر أكثر لتفهم أن الضابط ينفذ أمرا لأمانة جدة يقضي بقفل المتحف لعدم وجود ترخيص لبنائه!

والحقيقة أن هذا الخبر ـ لو صح ـ يجعلك تقف لتضرب تحية وسلاما لأمانة جدة باعتبارها أنجزت سائر أعمالها ولم يبق إلا هذا المتحف «غير المرخص»، إذ أن ذلك يعني أن الأمانة قد فرغت والحمد لله بالتمام والكمال من ردم كل البيارات المفتوحة في شوارع جدة، واحتفلت بالقضاء على آخر بعوضة تختال في شوارع العروس، وأغلقت كل الحفر والأخاديد في الدروب، وحرثت أطراف المدينة فلم تعد تنبت فيها العشوائيات، ونقت الأسواق من العربات والبسطات وسائر المخالفات!

يا أمانة جدة: إن كنت تدرين بخطورة إغلاق متحف فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدرين فها قد علمت. لو أن هذا المتحف الذي أنشأه الفنان طارق عبد الحكيم في مدينة أخرى غير جدة لفاخرت به المدن الأخرى، وكرمت هذا الرجل بما يستحقه احتفاء وتبجيلا وتقديرا. فهذا المتحف الذي أوصدت بابه بالأغلال يمثل واحدا من أهم المتاحف في السعودية التي ترصد ألوان تراثنا وفنوننا الشعبية. أعرف أن العالم من القطب إلى القطب يحرص بل ويفخر بأن تظل أبواب متاحفه مفتوحة، ونحن يا سيدي في أمانة جدة وحدها استثناء نوصد بالأغلال متحفنا.. ألا ترون معي أن حدثا مثل هذا يخدش كل الأحلام الجميلة التي نعيشها بأننا أمام منعطف ثقافي يتسم بإشراقات واعدة تحمل الكثير من بيادر التنوير؟ فليت الذي حدث لمتحف طارق عبد الحكيم لم يحدث.

[email protected]