كلام القادة في المنتديات: ما قلّ.. ولا دل!

TT

بعد متابعة في دبي عن قرب لـ«منتدى القادة»، الذي شارك فيه بعض المسؤولين الدوليين السابقين، ومعهم بعض راسمي الاستراتيجيات الاقتصادية في العالم، واستضافته امارة دبي في الأسبوع الأخير من نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم استوقفني أمران:

الأمر الأول: هو مدى الجدوى من هذا المنتدى، الذي يقول فيه المتحدثون عكس ما كان عليهم قوله وهم في السلطة، سواء على القمة أو يحيطون بالذي هو في القمة من مستشارين او وزراء، ويقول فيه مستشارون وخبراء استراتيجيون الكلام الذي نتمنى أن يقولوه لو شاءت الظروف أن يصبحوا ممسكين بمسؤوليات رسمية في دولهم.

الأمر الثاني: هو أن هؤلاء يحظون بمكافأة مالية لقاء مشاركتهم في المنتدى، بينما لا يتاح لمئات الخبراء والمستشارين الحصول على مكافأة مماثلة، كما لا يتاح لهم المشاركة في منتديات داخل اميركا، يقولون فيها الحقيقة وتنشر وتبث لهم وسائل الإعلام هناك ما يقولونه.

في «منتدى القادة» الذي استضافته دبي، سمعنا كلاماً قليلاً لكن ليس من نوع الكلام الذي يدُلّ بالمعنى الايجابي لأحوالنا، فضلاً عن انه يبعث الأسى في ما قاله الرئيس الاميركي السابق بيل كلنتون، وخلاصته انه يرى انسحاب القوات الاميركية من العراق، ليس من اجل ان تعود الى مِنْ حيث اتت، وإنما «ان تتوجه الى دول مجاورة ـ يقصد سورية أو ايران او الاردن ـ او الى منطقة الاكراد شمال العراق». أما لماذا هذا الإتحاف في الكلام الذي قبض ثمنه مالاً كثيراً فلأن من شأن ذلك، والكلام له، مستعملاً المثل القائل «ضرْب عصفورين بحجر واحد»، فمن اجل سلامة القوات الاميركية ومساعدة الحكم القائم في العراق على تأسيس دولة ديمقراطية. ثم يضيف ما معناه ان وجود هذه القوات في دول مجاورة هو الذي سيساعد على تأسيس الدولة الديمقراطية في العراق.

تفسيرنا الذي لا يحمل اي اعتراض لأن الكلام واضح كل الوضوح، هو أن كلنتون يقترح إما نقل العدوان الى سورية او ايران، وإما نقل القوات الى الاردن على نحو نقل القوات من السعودية الى قطر. فهل يتم الاستنجاد بكلنتون كواحد من القادة لكي يقول لنا هذا الكلام المقبوض الثمن؟

أما وزيرة خارجية عهده مادلين اولبرايت التي تحدثت بصفة كونها «واحداً» من القادة فإن «سيدة البروشات» هذه، بعدما باتت مسؤولة سابقة، انتفضت انسانية وإلى درجة انها كادت تذرف الدمع، وهي تتحدث على ما آلت اليه احوال أطفال العراق، ومما قالته امام المنتدى «يجب علينا كقادة ومسؤولين، ان نندم ونعتذر عما يدور منا، وكان نتيجته قتل اطفال ابرياء لا شيء يبرر استباحة دمائهم. كما ان الوجود الاميركي في العراق هو السبب في عدم الاستقرار هناك، وما احداث سبتمبر عام 2001 في كل من نيويورك وواشنطن سوى نتيجة الوجود العسكري الاميركي والخليج....»، ثم طرحت اولبرايت حيثية جديدة حول كراهية العرب والمسلمين لأميركا تمثَّلت بقولها: «ان كثيرين يكرهون الولايات المتحدة لاعتقادهم بأنها دولة غنية.. »، مضيفة ايضاً: «ان ياسر عرفات فوَّت فرصة كبيرة ونادرة لحل المشكلة الفلسطينية، نتيجة رفضه العرض الذي تقدَّم به الرئيس كلنتون في مفاوضات كامب ديفيد»..

كلام الرئيس الأميركي السابق ووزيرة خارجيته، كان يمكن ان يفيدنا لو أنه جاء خالياً من دعوة كلنتون تعديل جغرافية الاحتلال بدل انهائه، وكانت انتقاداته ستفيدنا لو أنه اوردها في لقاءات مع الرأي العام الاميركي، وليس مع ضيوف عرب الى المنتدى. كذلك كانت تنظيرات مادلين اولبرايت ستفيدنا، لو أنها اوردتها امام حلقات مناقشة عبر المحطات الاميركية، وإن كان اعتذارها يتضمن لمسة خجل مما شاركت فيه عندما اكملت مع كلنتون ما سبق ان انتهى اليه الرئيس الأسبق بوش الأب.

وعموماً ان المسؤولين الاميركان، لا يسجلون المواقف التي هي على نسبة من الموضوعية والانصاف لقضايانا، إلاَّ عندما لا يعودون في مواقع السلطة، مع أن وقفة منصفة من جانبهم، وهم في موقع اتخاذ القرار من شأنها ان تبدد مشاعر الكراهية المستشرية في نفوس العرب والمسلمين، ليس لأنهم ينظرون الى أميركا على انها غنية وهم فقراء، على نحو ما خرجت به اولبرايت، وانما لأنهم مظلومون ومغبونو الحقوق، وهي الظالمة والغابنة بشكل مباشر او من خلال الوقوف مع الطرف الأظلم والأغبن. اسرائيل. ولو طلبت الادارة الاميركية من مركز للدراسات والاستطلاع اجراء دراسة محايدة في هذا الشأن، لوجدت ان الاكثرية الساحقة من العرب والمسلمين كرأي عام وليس فقط كأنظمة تتمنى لو ان أميركا الأمس غير البعيد والحاضر والمستقبل هي اميركا الأمس البعيد، أي اميركا ايزنهاور، وان هذا الرأي العام توَّاق الى لحظة يستعيد مشاعر الود والطمأنينة نحو اميركا، ومن دون اي حسد يتصل بالغنى.

وتبقى الاشارة الى ان الاشادات من جانب المشاركين في المنتدى بالتطور الذي تشهده دبي هو كلام منهم يراد به الحق ولا شيء غير الحق، عكس الكلام الآخر من البعض وبالذات من كلنتون واولبرايت، حيث كان معظم كلامهما يراد به الباطل بالنسبة الى الاول والتكفير المتأخر جداً بالنسبة الى الثانية عن اعمال كافرة في حق ابرياء سقطوا ضحية الخيار الاميركي المستجد، والمتمثل بانتقال الولايات المتحدة من دولة الحريات الى دولة تريد في القرن الواحد والعشرين ممارسة ادوار استعمارية حفل بها القرنان التاسع عشر والعشرون، وعفى عليها الزمن. والقول بأن الكلام عن التطور الذي تعيشه دبي، هو كلمة حق يراد بها الحق يستند الى ان الذي حدث خلال عقدين من الزمن في دبي على ايدي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو نظير ما حدث في ماليزيا على ايدي مهاتير محمد. والتجربة متواصلة ويبدو أن افق الطموح اكثر رحابة مما نرى بدليل ان الشيخ محمد، الذي هو من نسيج الرئيس رفيق الحريري رحمة الله عليه، واطال عمر الشيخ محمد، أسمع جماعة المنتدى السياسي ـ السياحي كلاماً خلاصته ان ما هو حاصل على صعيد التطوير والعمران، ليس شيئاً امام ما هو آت.. وربما خلال أقل من عقدين قادمين.