شرعوا قلوبكم.. تكفيهم جراحهم

TT

يُقال «يا ما في الحبس مظاليم» ولكن ماذا عن غير المظلومين أيضاً؟ أولاً لنتفق؛ المخطئون يجب أن ينالوا عقابهم القانوني، ولكن ماذا بعد هذا العقاب؟ ماذا بعد خروج «المخطئين» للحياة الاجتماعية؟ تشير اللجنة الوطنية لرعاية السجناء السعوديين وأسرهم إلى أن «نسبة العائدين إلى ارتكاب الجريمة بعد الإفراج عنهم، وبشكل لافت للنظر، يصل إلى أكثر من أربعين في المائة من المسجونين المفرج عنهم في السجون العربية، مما يدل على أن العملية الإصلاحية التي قدمت لهم داخل المؤسسات العقابية لم تكن ذات فعالية حقيقية، وهو ما يؤكد ضرورة وجود روافد إصلاحية أخرى قوية تقاوم التزايد في الجريمة غير البرامج الإصلاحية والتأهيلية التي تقدم للسجين أثناء تنفيذ فترة حكمه. ومن أبرز تلك الروافد، إن لم يكن أهمها، الرعاية اللاحقة التي تقدمها الجهات المختصة للمحكوم عليه وأسرته وكذلك للمفرج عنهم من السجون».

العناية الحقيقة ليست فقط من القائمين على هذه اللجان، ولكن أيضاً من المجتمع القاسي في أوقات كثيرة بكل المقاييس. من المجتمع الذي يجب أن يفهم أن هذا السجين من الممكن أن يكون أبا أو أخا أو صديقا أو قريبا. من المجتمع الذي لا يأبه لمشاعر السجين الراغب في العودة إلى حياة سوية. من المجتمع الذي يغلق أبوابه ونوافذه على هذا الإنسان، وكأنه لم ينل كفايته من غلق الأبواب في تنفيذ فترة حكمه. عصام شاب في الثامنة والعشرين حالياً، دخل السجن منذ 3 سنوات، وهي ذات الفترة التي تخلت فيها عنه زوجته التي تزوجها قبل دخوله السجن بستة أشهر. ولم تزره إلا مرتين. وفقد عمله بالطبع. وخرج للحياة ليجد أن كثيراً مما في قلوب من حوله تغير. يقول عصام «ما تعلمته من درس السجن أن لا شيء يستحق التضحية بالضمير. أخطأت ونلت عقابي الكافي. لماذا يصر الآخرون على إصدار عقوباتهم الخاصة تجاهي. أحلم بحياة سوية. أحلم بالاقتران من جديد بزوجة وأسرة هادئة. لا أعلم مدى فرص النجاح أمامي. ما أعرفه أني غير عازم على العودة حتى مع شح الفرص».

لست سفيراً للنوايا الحسنة، ولكن عصام بدا وهو يرتشف قهوته السوداء، ربما كما هي أيامه في السجن، صادقاً إلى حد بعيد، إلى حد كافٍ يجعل المرء يوقن أن الدروس الصعبة لا تُنسى.

لا أعرف كم مثل عصام من الشباب أفرج عنهم هذا العام، ولكن ما أريد قوله إنه مهما كان عددهم قليلاً فهم يستحقون أن نشرع قلوبنا لهم. يستحقون منّا دفعة لولوج عالم يغنيك عن اقتراف الأخطاء الكبيرة. يقول الدكتور عبد العزيز الدخيل، أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة الملك سعود، ‏إن السجين خلال بقائه في السجن يكتسب عادات وقيماً جديدة ‏تسمى «ثقافة السجن»، كما أنه يتعرف على أشخاص وجماعات ‏جديدة (ومنهم من يريد أن يستمر في الإجرام)، فإذا لم تتلقفه ‏المؤسسات الحكومية والجمعيات الخيرية بعد خروجه وتساعده على ‏العودة إلى عمله، أو الحصول على عمل جديد، فإن أيدياً أخرى ‏شريرة تتربص به وتحاول إغراءه للانخراط معها وارتكاب جريمة ‏أخرى».

لا شيء يمكن إضافته على حديث الدكتور الدخيل. ولكن أيضاً حتى الرعاية التي تقدم للسجين من الداخل بحاجة إلى إعادة رصد وتطوير لآليات عملها. المدارس وورش العمل بحاجة إلى تطوير أكبر، وبحاجة إلى تصريف أفضل للتبرعات التي تقدم.

[email protected]