الإرادة

TT

عندما توجد الإرادة يوجد الطريق، هل هذه المقولة صحيحة أم أنها مجرد (حكي)؟! اعتقد أنها صحيحة إلى حد ما، ومجرد حكي كذلك إلى حد (ما أيضا)، فالإرادة تتوقف على صاحبها، وإذا شئت أن اضرب لكم مثلاً بسيطاً لذلك، فسوف اضربه بأخ ظريف من بلد عربي أفريقي، تعرفت عليه قبل مدة ليست بالقصيرة، وقص عليّ تجربته الفاشلة في مجال الإرادة، وحيث انه في ذلك الوقت كان شاباً متفجر الأحاسيس، وحيث أن تلك الأحاسيس تقض عليه مضجعه بحرقة طوال الليل، فإنه رغب رغبة جامحة لا هوادة فيها في أن يبحث عن ابنة الحلال، ليطفئ تلك الأحاسيس أولاً، ثم ليؤسس أسرة ويفرح على حد قوله (بالذرية)، غير أن المعضلة التي وقفت على الدوام، حاجزاً صلباً في وجه تحقيق أحلامه، هي تلك التقاليد العجيبة عند قبيلتهم، وأهم وأصعب ما فيها ليس قبول أهل العروس به كعريس، بل بالعكس كانوا يقبلون ويرحبون به كثيراً، غير أن من شروطهم (شبه التعجيزية) أن يتأكدوا من قدرته على احتمال الشدائد، ولا تختبر هذه القدرة، إلا بضربه على ظهره العاري بالسياط طوال الليل، فيما عروسه تتغندر وترقص أمامه، وعليه هو أن يبادلها الابتسام من دون أن يتألم أو يتوجع أو يتأوه من الضرب، وقد أكد لي انه خطب أربع فتيات على التوالي، وضرب على ظهره ما لا يقل عن أربعمائة سوط، وقد كشف لي عن ظهره ووجدته فعلاً ممتلئاً بالأخاديد، حيث أن المسكين يصمد في البداية بإرادة حديدية، غير أن الليل كان أطول مما يتوقع، والضرب كان أقسى مما يحتمل، وفي كل مرة بعد ساعة أو ساعتين يجأر بصياحه ونواحه، ويولي الأدبار هارباً، وتنتهي الحفلة وتعود العروس لبيت أهلها بكرا لم تمس بسوء.. وانقطعت صلتي به وكان عازباً، ومن معرفتي القوية به فإنني اجزم انه ما زال عازباً، لأن إرادته كانت مهترئة بالفعل، ولا اخفي عليكم أن إرادتي ليست مهترئة فقط ولكن مهلهلة، ولو كنت في مكانه لوليت الأدبار من أول ضربة.

وتأكيدا للإرادة يقولون انه كان هناك جنرال فرنسي في القرن السابع عشر يتقدم الجنود في المعارك وعندما سئل عن السبب قال: إنها فقط (الإرادة)، فإنني أتصرف كأنني شجاع، على الرغم من أن الخوف لا يفارقني أبداً، لكنني لم استسلم للخوف، بل أقول لجسدي: ارتجف أيها الجسد العجوز، ولكنك لا بد ان تسير، فيسير جسدي طائعاً.

واليكم تجربة صديقتين عن (الإرادة)، وكل تجربة مختلفة عن الأخرى، فالصديقة الأولى كانت مدخنة محترفة، وتدخن ما لا يقل عن علبتين من السجائر في اليوم الواحد، وحاولت عدة مرات أن تتركها وفشلت، وخطرت على بالها فكرة، فالتقطت صنارتين وراحت تحوك الصوف كلما أحست بحاجة إلى سيجارة، فتمكنت خلال شهر من إنجاز فنلة أو كنزة لزوجها، وتخلصت من تلك العادة نهائياً.

أما صديقتها الثانية فكانت معلمة في مدرسة، وهي امرأة ابتليت بالسمنة ـ يعني تخينة ـ وقد رقيت وعينت نائبة للمديرة، وحددوا موعدا لتكريمها، واشترت (المعترة) فستانا يقل عن مقاسها بنمرتين، وعقدت العزم على إنقاص وزنها اثني عشر كيلوغراما، لكي يتسنى لها ارتداؤه في ليلة الحفلة، وفعلاً بدأت برنامجاً عنيفاً لذلك، ولم تكن تزن نفسها طوال الوقت، لأنها كانت تريد أن تفرح دفعة واحدة، وقبل موعد الحفلة بيوم واحد وزنت نفسها، وإذا وزنها قد زاد ثلاثة كيلوغرامات.

[email protected]