حول القمة الخليجية

TT

سألته: لماذا لم تكتب عن نتائج القمة الخليجية الأخيرة، وأنت الخليجي المتابع لكل شأن خليجي؟ فقال لي: لأنني كررت نفسي طيلة السنوات الماضية، أكتب مقالا عن قمة خليجية وأكرره بلغة مختلفة ومفردات مرادفة للمقال الذي سبقه قبل عام، ثم إن قلة الكتابة عن القمة الأخيرة لازمت هذه المرة الكثير من مثقفي الخليج.

وضح، ماذا تقصد؟ فقال لي صديقي المحبط نوعا ما: نكتب منذ سنين عن أهمية الشفافية في مسائل الخلافات الخليجية وطرحها بموضوعية ومصارحة بعيدة عن صراخ بعض وسائل الإعلام «الغير مسؤولة»، وكأننا «نؤذن في خرابة»، فلم يتم الحديث، من قريب أو بعيد، إلى الخلاف القطري ـ السعودي في القمة، ولا إلى السعودي ـ الإماراتي، ولا حديث عن إنشاء محكمة عدل خليجية تنظر في مثل هذه الخلافات ويتفق الجميع على الخضوع لأحكامها مهما كانت...

وتابع صديقي: لم تتطرق القمة من بعيد أو قريب إلى خطوات الإصلاح الواثبة والتي تمثلت في مزيد من المشاركة الشعبية بإشراك المرأة في الكويت، والانتخابات البلدية السعودية، وانتخاب النساء في غرفة تجارة جدة، والمبادرة التاريخية التي أطلقها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ـ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ـ بإجراء انتخابات برلمانية في البلاد، فلم تمتدح القمة مثل هذه التطورات المحمودة ولم تنتقدها، كما لم تحدد موقفا منها، هل قالت القمم السابقة إن دول المجلس تتجه نحو بناء الدولة المدنية التي تكتب قوانينها ويتساوى أمامها الجميع؟ الإجابة بالنفي، حيث بقي الخطاب حول هيكلة الأنظمة السياسية في هذه الدول غامضا وغير واضح لشعوب المنطقة.

لم يكن هناك حديث من قريب أو بعيد بتطوير الهيئة الاستشارية للمجلس إلى نوع من البرلمان الخليجي الذي يمكن أن يوجه النقد واللوم للجهات التي تتلكأ في تنفيذ قرارات القمم، تابع صديقي: فالقرارات التي أصدرتها القمم الخليجية رائعة، ولكن بعضها لا يتعدى كونه حبرا على ورق، فلا من متابع لهذه القرارات، ولا من منتقد علني لعدم تنفيذها في هيئة خليجية شعبية...

ثم هناك العملة الموحدة التي يفترض العمل بها العام 2010، لم يتم الحديث أو الاتفاق على إنشاء بنك مركزي خليجي ينظم التحول إلى هذه العملة، البنك بحاجة إلى قرار من القمة، ثم لجان، ثم لجان تنبثق من اللجان، ويمر العام 2010 دون أن يكون بيننا «يورو» خليجي...

صحيح أن القمة لا تزال تتبنى مواقف متقاربة، إلى حد كبير، تجاه القضايا الخارجية، مثل الصراع العربي ـ الإسرائيلي والتسلح النووي في المنطقة، ومسألة استمرار الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية، والموقف من تطورات الأوضاع في العراق، ولكن ذلك لوحده غير كاف... لنتذكر دوما أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد قام من أجل التعاون بين الدول الأعضاء، وبالذات على الصعيد الاقتصادي، ولكن هذا التعاون الاقتصادي لا يزال يراوح حتى على صعيد توحيد التعرفة الجمركية، فمن المحزن أن تتخذ قرارا بالتفاوض الجماعي مع الدول الأخرى، والتعرفة الجمركية لم يتم حسمها بعد على الرغم من مضي سنين على إقرارها.

وهناك مسألة تنقل المواطنين بين دول الخليج بحرية لا تزال تعترضها خمسة حدود مشتركة بين الدول الأعضاء، ولا قناة لطرح مثل هذا الأمر والإتيان بالمسؤولين الأمنيين في دول المجلس وطرح تساؤل بريء: لماذا لم يتم تسهيل التنقل والفيزا الموحدة بين دول المجلس؟

قلت له بعد أن أنهى كلامه بنبرة حزينة: يا صديقي ـ تعبنا من الكلام، ولكننا لا نمتلك غيره، فلو قللنا منه، لأعلنا استسلامنا، وأصدرنا بيان التخلي عن حلمنا بالوحدة الخليجية، فماذا نمتلك غير الكلام؟