واشنطن وتصحيح الصورة

TT

محير أمر وزارة الدفاع الأميركية التي لجأت الى شراء مقالات في الصحف العراقية لشرح وجهة نظرها او كسب التعاطف مع موقف بلادها الرسمي. فالحكومة الاميركية لها مؤسسات إعلامية معلنة تبث وتذيع وتنشر رسميا منذ عقود ولم تدخر وسعا في الدفاع عن وجهة نظرها وفعلت كل ما بوسعها أن تفعله.

للخارجية الاميركية تجربة سابقة أفضل أجهضت في بداياتها عندما بثت إعلانات تتحدث عن العرب والمسلمين الاميركيين، يروون وجهات نظرهم الموالية لحكومتهم. كانت تنشر كإعلانات في الوسائل الاعلامية المختلفة، وتترك للجمهور فرصة للتأمل فيها ليقبلوها او يرفضوها.

لكن السؤال الأهم لماذا يطارد الاميركيون الصورة وامامهم فرصة لتصحيح الأصل؟ فإن كانت الغاية منها التواصل مع الانسان العربي والمسلم الغاضب فهي تستطيع ان تعالج مشاكلها معه مباشرة لتوفر على نفسها الكثير من الجهد والوقت. لو بحثت في دفاترها السياسية ستجد انها تستطيع حل القضية الفلسطينية برمتها لا مجرد شراء مقالات لا تقرأ. وأكبر كذبة هي التي تصور حل القضية على انه مشروع اصعب من السير على البحر، او شق قناة مائية بين نيويورك ولوس انجلوس. الحقيقة عكس كذلك، انه اسهل من حكم العراق وأهون من التعامل تجاريا مع اوروبا.

للتذكير فالعرب قطعوا مرحلة طويلة في القبول بالحلول الدنيا من أجل إنهاء هذه القضية. أجيال من السياسيين العرب ماتوا وهم يحلمون بحل لها، بعضهم قتل دونها وبعضهم توفوا في اسرتهم والحل يبدو لهم قريبا جدا.

خلال ثلاثين سنة تطور موقف العرب من رفض الحل السلمي برمته الى التخلي رسميا وعلانية عن الحل العسكري. قبلوا بمبدأ الدولتين على الأرض المتنازع عليها. قبلوا بقرار 242 اساسا للحسم. وقبلوا بالقدس العربية. ووصلوا مرحلة الرضى بحل عادل لمسألة اللاجئين، بل وقبلت عشرون دولة عربية بالاعتراف جماعيا باسرائيل بعد ان كان ذلك ضربا من المستحيل. وحتى نكون منصفين فإن الاسرائيليين بلغوا الامر نفسه واكتشفوا ان ابتلاع غزة الصغيرة كان امرا مستحيلا وان الابقاء على المستوطنات سيكلفهم اكثر مما يقدرون على دفعه، والأمر صحيح بالنسبة للضفة الغربية. بكل أسف، لم نر حتى هذا اليوم سوى مشاريع سياسية تبدأ ولا تستكمل، وخرائط طرق تاه المفاوضون فيها. شهدنا عزائم مليئة بالحماس في البدايات لا تلبث ان تخور سريعا. الحل ليس سرابا لكن النفوس محبطة.

ان كانت واشنطن تريد حلا لأزمتها مع هذا الجزء من العالم، عليها ألا تبدد جهدها في الخرائط والطرق الطويلة، فهي تقف امام فرصة قابلة للتنفيذ تتطلب منها ان تضع كل ثقلها في تحقيقها، ان تعتبرها مشروعها الكبير. فحل القضية الفلسطينية لن يكلفها ماليا وبشريا كما كلفها البقاء في بغداد عامين، وسيمنحها ان فعلت ان تعيش دهرا في سلام.

الذي يؤلم جدا اننا نسمع عن رغبة حقيقية عند كل الأطراف للتوصل الى سلام ونهاية للأزمة المستديمة، لكننا لا نلمس جهدا يماثل التمنيات مع ان الامور صارت ناضجة ولا تتطلب سوى جدية العمل وإصرار على التنفيذ.

[email protected]