ذهبت وخطبت وصليت بالناس!

TT

ربما لأننا كنا صغارا.. فقد كنت عضوا في (جماعة الإخوان المسلمين) في مدينة امبابة. كنت أمين المكتبة: اقرأ وأذاكر وأتناقش مع الزملاء من طلبة كليات الآداب والهندسة والطب حتى ساعة متأخرة من كل ليلة. وكنا نتلقى أمرا هكذا: يتوجه الأخ أنيس محمد منصور إلى مسجد سيدي إسماعيل الامبابي لإلقاء خطبة الجمعة والصلاة..

وبالقميص والبنطلون اذهب إلى المسجد المحدد. ومباشرة إلى خطيب المسجد وأقدم نفسي. ويسألني: هل تحفظ القرآن يا بني؟ فأقول: نعم حفظته وأنا في التاسعة من عمري. ويضع يده على رأسي وعلى كتفي ويقول: ما شاء الله. تفضل يا بني! ولا اذكر الآن شيئا مما أقول. ولكن هذه الخطبة قد أعددتها في ذهني قبلها بيوم. وليس من الصعب أن تجيء كلمة مباشرة وقصيرة.

ولم أتساءل في ذلك الوقت عن هذا الذي افعله. كيف أنني أطيع الأوامر بلا مناقشة.. بينما في قاعات البحث نناقش كل شيء وكل الأصول الفلسفية: الله والكون والقيم الأخلاقية والقيم الجمالية والحياة بعد الموت والحساب... الخ.

نناقش ونقول ونعيد ونزيد بمنتهى الإصرار والقوة، مع أن الذي نعلمه من كل هذه القضايا الصعبة قليل جدا. ولكن بهذا القليل جدا نتهجم على الفلسفة والفلاسفة والمذاهب ويكون لنا اجتهاد مع انه لا حق لنا في ذلك. فنحن صغار جدا. ولكنه غرور الصغار.

فكيف يكون عندنا مثل هذا الغرور و«العنطزة» والمراهقة ثم لا نناقش الأوامر التي نتلقاها من المركز العام من الإخوان المسلمين بان نذهب هنا وهناك. أكثر من ذلك أن أخا زميلا كان مكلفا بإلقاء خطبة الجمعة والصلاة في مسجد يبعد عن القاهرة مائة كيلومتر. ورجاني أن احل محله. وقدم لي مشروع الخطبة عن الزواج والطلاق. وقبل أن اقرأ الخطبة لم أجد عندي معلومات كافية في هذه القضية. وذهبت وخطبته في جيبي. وتحدثت عن كتاب «أدب الدنيا والدين» واخترت بعض أبيات من الشعر قدمتها وأقمت الصلاة.

لا بد أن الطاعة سببها قوة الدين واليقين. أتذكر كل ذلك ولا اندهش للشباب اليوم في طاعتهم لتكاليف الدين. ولكن اشعر بشيء من الخجل. بكثير من الخجل. فأنا عندما اذهب إلى إمام المسجد لا أقول له: من فضلك.. لو سمحت لي أن القي الخطبة واصلي بالناس.. فعندي رجاء من جماعة الإخوان المسلمين.. أبدا. لم أكن أقول ذلك. وإنما أقول له: أنا فلان وأنا سأخطب واصلي بالناس. هذه أوامر الإخوان المسلمين..

وأحيانا توهمت أن أحدا من المصلين قال بصوت مرتفع: الله يفتح عليك يا ولدي.. لست على يقين من ذلك. ولكن على يقين من أنني بعد أن افرغ من الصلاة احمل حذائي وأخرج دون مصافحة أو شكر لإمام المسجد..

«جليطة» شباب مندفع بعيدا عن الذوق!