يجب أن نبقي الأمل حيا

TT

من الصعب أن نراقب الأمل يذوي.

هذا ما رأيته في وجوه الرجال والنساء ممن كانوا يبكون صراحة خارج المحكمة التي حكمت على أيمن نور السبت الماضي بالسجن لمدة خمسة أعوام.

وكان كثير منهم قد قضى الليلة خارج المحكمة في ليل القاهرة البارد منتظرين الحكم في قضية تزوير كان من الواضح أن هدفها يتجه الى تلقين درس للسياسي الليبرالي الشباب الذي هز الوضع السياسي المصري العام الحالي.

وقد استيقظوا وسط جيش من قوات الأمن المحيطة بالمبنى وسنة مريرة كانت قد بدأت برياح تغيير واعدة في مصر وقد اتجهت الى نهاية باردة ومربكة.

وكانت الرسالة واضحة بالنسبة للمقيمين المذهولين في الحي المحيط بالمحكمة أيضا. واذا ما حكمنا من خلال مئات من أفراد شرطة مكافحة الشغب والخوذ والهراوات الجاهزة للعمل يمكن للمرء أن يفكر بأن ارهابيا يواجه محاكمة داخل القاعة، وليس زعيم حزب سياسي جاء في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية في سبتمبر الماضي.

وربما شكل أيمن نور خطرا أكبر بالنسبة للبعض في مصر من الارهاب. فقد اعتادوا على مجابهة الأخير عبر الزعم السهل بأن الإرهاب مشكلة دولية ليست مقتصرة على مصر. ولكن ما الذي يمكنهم قوله من أجل مجابهة أيمن نور؟

وكان خطر نور يتمثل في أنه أدرك السياسة ولعبها بصورة جيدة.

وبغض النظر عن دعمنا أو عدم دعمنا لموقفه السياسي كان علينا جميعا أن نبكي سوية مع أعضاء حزب الغد الذي يقوده نور لأن الحكم الصادر بحقه هو حكم بحق أي شخص يتجرأ على التحدي في مصر. كانت فترة سجن يحكم بها أولئك الذين يريدون أن يكونوا جزءا من النشاط السياسي المصري ولكنهم غير متحالفين مع الحكومة أو الاخوان المسلمين.

فكيف كان صباح ذلك السبت البارد مختلفا عن ليلة سبتمبر الدافئة التي ميزت ذروة حملة نور الرئاسية. فبعد زيارة 18 مدينة في 20 يوما أوصل نور تلك الحملة الى نهاية أمام المجمع، وهو الرمز الأخير للحكومة في مصر في ميدان التحرير.

وربما كان من جرأته أن يدير ظهره للمجمع، وبذلك العمل حث المصريين على وضع الطريقة القديمة في الحكم خلفنا والنظر اليه كبديل حلّ هذا العقاب عليه.

ولم يكن نور، المحاط بمئات من أنصاره، يمثل فقط برنامجا تفصيليا لحزب الغد لحكم مصر وانما كان قاسيا في نقده الحكومة وأخطاءها. وفي الوقت الحالي تظهر الحكومة ذاتها قاسية في تعاملها معه.

من الصعب تصديق الحكومة بحيادية المحاكمة. فالقاضي الذي أصدر الحكم على نور كان نفسه الذي سجن قياديا آخر ومن دعاة الإصلاح ومنتقدا للحكومة سنة 2002، وأعني به سعد الدين ابراهيم.

من المؤكد أن الحكم الذي صدر ضد نور هو رسالة تقول إن صبر الحكومة لأي نوع من الانشقاق أيا كان قد نفد. والكثير من الصحفيين والمصورين الذين وثقوا التجاوزات التي وقعت أثناء الانتخابات الأخيرة قد تعرضوا للضرب أثناء أعمال العنف أو هدِّدوا.

وإذا استمرت الحكومة المصرية في قطع قنوات المعارضة، فأي رسالة تبعثها للمصريين؟ يمثل نور السياسة العلمانية التي يتمناها الكثير منا. وتشكل حرية مرور الكلمات والصور الخاصة بالصحفيين العمود الفقري لهذا النوع من الديمقراطية التي تزعم الحكومة أنها تريد تكوينها.

وبحبس نور الذي يرأس حزبا شرعيا والسماح لجماعة الاخوان المسلمين غير الشرعية بحرية لم يسبق لها مثيل للقيام بحملتها خلال الانتخابات التشريعية، أسأل نفسي ثانية أي رسالة تريد الحكومة المصرية أن تبعث بها؟

تحدثت في البدء عن رياح التغيير للسنة الماضية. وخلال أشهر قليلة، جرت عندنا انتخابات رئاسية لم يسبق لها مثيل مع انتخابات برلمانية واحتجاجات شعبية منتظمة في الشوارع.

فمع الكثير من المصريين شاركت في هذه النشاطات وقررت أن أعود إلى مصر من الولايات المتحدة لأربعة أشهر كي أكون جزءا مما أؤمن به في كون هذه المرحلة لحظة تاريخية مهمة تمر في حياة بلدي السياسية.

ومع استعدادي للعودة إلى نيويورك، كان لي الشرف أن التقي وأن أخرج في مسيرات مع المئات من أبناء وطني الشجعان والذين دفعهم الى ذلك حب مصر كي يجعلوا منها وطنا حرا يكون ممكنا لكل الأصوات أن تسمع به. وليس هناك أي شيء يبعث على الحيوية أو الإلهام بالنسبة لي أكثر من الاستماع إلى آرائهم وأفكارهم حول كيفية جعل مصر أفضل.

وإذا كان العنف والتزوير في الانتخابات البرلمانية والحكم على أيمن نور، جعلتني أشعر بالقنوط، فإن هناك أمرين أبقيا الأمل حيا في نفسي: استقلالية القضاء واستقلالية الإعلام. ونحن شاهدنا نماذج منهما أثناء التطبيق في الفترة الأخيرة.

وعلى الضد من القاضي الذي ترأس قضية أنور، علينا أن نتذكر قضاة آخرين وقفوا إلى جانب الجمهور المصري خلال فترة الانتخابات الأخيرة عن طريق إصدار تقارير ينتقدون فيها التجاوزات التي شاهدوها.

وهؤلاء القضاة كانوا واضحين في أنهم لن يسكتوا تحت طائلة الترهيب. ونحن سمعنا أصواتهم وهذا بفضل الصحف المستقلة التي توجه الكثير من المصريين إليها للبحث عن الحقيقة حول مصر اليوم.

دعونا نؤسس على مصدري الأمل هذين مع تطلعنا لمصر أفضل.

[email protected]