أنا «عبيكاني»!

TT

جدل فقهي جديد ينطلق في السعودية. وهذه المرة له علاقة باكتتاب في شركة (ينساب) للبتروكيماويات، التي بدأت أسهمها تباع في المصارف السعودية. فلقد صدرت بعض الفتاوى الجديدة تنذر وتحذر من شراء هذه الأسهم بحجة حرمتها. ومرة أخرى، وبمنتهى الشجاعة والعقلانية، يظهر صوت الشيخ السعودي عبد المحسن العبيكان برأي يفند فيه موقف الشرع الحق من القضايا المستجدة، حتى إن كانت آراؤه ضد تيار معين، دأب على عدم الاجتهاد في المسائل والنظر فيها بأسلوب مغاير يناسب الوضع وتفاصيله المستحدثة. وطبعا كان دائما ما يتعرض الشيخ عبد المحسن لسلسلة منظمة من الهجمات عليه تستهدفه وتطعن في شخصه.

الشيخ عبد المحسن يمثل ظاهرة جديدة ومستمرة في مجال الاجتهاد والتجديد. فالآراء التي يقدمها تمثل مفاجأة أحيانا، وأحيانا أخرى تكون بمثابة الصدمة الكهربائية، لأنه ولفترة طويلة من الزمان تعود «طرح الفتاوى» على ركود تقليدي غير قصير. الاجتهاد بصورة عملية فيه تحد لفرضيات إنسانية طال الاعتقاد بها وجمدت وتحولت الى ما يشبه المقدس، وبات مجرد البحث في رأي جديد مغاير هو «خروج» عن الثوابت والأصول وهدمها، وهو طبعا رأي خاطئ! فالتغيير سنة مؤكدة وواضحة وصريحة من سنن الله عز وجل في الكون، وبالتالي الالتزام بالدفاع والزيادة في عدد الثوابت المعتقدة فيه نوع من مقاومة سنة الله في الكون.

والشيخ عبد المحسن العبيكان يمثل حالة جديدة من التفاؤل المنتظر في مجال الافتاء والاجتهاد، وهو أمر طال انتظاره. ومواقفه الاخيرة بالرغم مما لاقته من هجمات منظمة وبشعة، إلا أنها تكشف وبوضوح اتساع حجم الهوة الساحقة الموجودة ما بين فكر اجتهادي وفكر متجمد. السعودية (وطبعا العالم الاسلامي بأسره) مقدم على العديد من الأمور المعقدة والمسائل المركبة الجديدة، التي لم تمر على السلف الصالح، وبالتالي لم يقدموا آراءهم فيها، وعليه فانه لا مناص من التزود بحسن الظن والثقة بالله، ومن ثم الثقة بالنفس والاقدام على العمل الاجتهادي الحق، بالنظر للمسائل المستجدة بروح مغايرة، فيها خروج من العصبية والتمسك برأي واحد لا غيره ليكون الطرح الاجتهادي به عقلانية أكبر وطرح أدق وأوقع.

طبعا سيحارب هكذا نهج وسينعت بأسوأ العبارات من مجموعات بعينها (هي ذاتها مرشحة لأن تخسر مواقعها، اذا سمحت للاصوات الاجتهادية الاخرى بفرصة الظهور على الساحة!). ولكن كلما ازدادت هذه الاصوات تأكد أن الطرح الفقهي يسير في الطريق السليم الذي فيه خدمة للحق.

[email protected]