الأمم المتحدة.. «العربية»

TT

قد تكون الجامعة العربية وأفكار العمل العربي المشترك اقدم باكثر من عقد من الزمان من الاتحاد الاوروبي، لكن في احيان كثيرة يستلهم التفكير العربي افكار مشاريع الاتحاد الاوروبي، في محاولة لاستنساخها على الواقع العربي، مع فارق جوهري يمثل الخيط الفارق بين النجاح والفشل، وهو ان الاستنساخ العربي عادة ما يكون شكليا وفوقيا، يبتعد عن مناقشة المضمون، بينما الاصل الاوروبي جاد وعادة ما يأخذ وقته من الجدل والنقاش والاعتراضات، ثم الاستفتاءات حتى يمر اجراء جديد.

وهناك تعقيد اضافي في الحالة العربية، يتمثل في ان فكرة انشاء الجامعة نفسها بدأت على غرار الامم المتحدة، التي تعبر عن دول تتمسك بمبدأ السيادة وتتفاوض مع بعضها لتحقيق السلم والأمن الدوليين، في اطار مصالح متضاربة، بينما الحكم مجلس أمن من دول عظمى، تملك فرض ارادتها على الاخرين. والفارق بين الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي، هو ان المنظمة الاولى تجمع لدول تتمسك بسيادتها، بينما الثانية تجمع لدول تتنازل جزئيا عن امور سيادية لصالح هذا التجمع.

وفي الحالة العربية منذ انشاء الجامعة هناك كلام كثير عن التضامن والتكاتف والمصير المشترك، الى اخر هذا الكلام، بينما الواقع يتحدث عن نموذج أمم متحدة وفي بعض الاحيان غير متحدة عربية.

مناسبة هذا الكلام هو انعقاد اول جلسة للبرلمان العربي المؤقت في القاهرة اليوم، الذي اقرت انشاءه القمة العربية الاخيرة في الجزائر ليكون مقدمة لبرلمان عربي دائم مقره في دمشق، وذلك ضمن افكار تطوير وتحديث آليات الجامعة العربية.

ورغم ان فكرة « شعبنة» العمل العربي المشترك، وادخاله ضمن آليات اجهزة الجامعة، فانه ليس هناك الكثير الذي يدعو للتفاؤل بان هناك شيئا قد تغير اكثر من ايجاد شكل جديد للايحاء، بان هناك تحديثا وتطويرا بدون الدخول في المضمون نفسه.

لا جديد لان تجربة الديمقراطية العربية لم تكتمل، ان لم تكن قد بدأت اصلا، لتفرز برلمانات ذات تمثيل حقيقي وتلعب دورا فاعلا في صياغة الحياة السياسية في بلدانها، وبدون وجود برلمانات محلية قوية، فان البرلمان العربي الجامع لن يكون سوى نموذج مجمع للنماذج المحلية.

وليست هذه دعوة لالغاء التجربة او التراجع عنها، بل على العكس فقد تكون مفيدة ويحدث احراج متبادل من برلمانيين لديهم حريات نسبية في بلدانهم لاخرين ليست لديهم، لكن المهم ان يكون هناك اعتراف بالواقع، وان هناك مسافة واسعة يجب قطعها قبل الحديث عن بداية الاصلاح الحقيقي.

وسنعرف ما اذا كان الاجتماع الاول جادا ام لا من البيان الذي سيصدر عنه، فاذا كان سيتحدث عن المؤامرات الخارجية والضغوط على « الصامدين» وفرض التغيير واضعاف المقاومين سيكون الامر مثل المثل القائل لا حياة لمن تنادي، ويكون علينا فقط البحث عن زوارق نجاة قبل ان تغرق السفينة.