الإخوان المسلمون على أبواب العالم العربي .. ولكن أي إخوان مسلمين؟

TT

كلمة الإخوان المسلمين تذكرنا «بالبعبع» الذي يثير الرعب عموماً لأسباب تاريخية معروفة (التنظيم الخاص، الاغتيالات، الاستبداد العقائدي المطلق، الطابع الطائفي والمذهبي لهم، الخ..). ولكن يقال لنا بأنهم تغيروا وتطوروا منذ الخمسينات وحتى الآن وإن جيل الأحفاد اصبح أكثر حداثة وتأقلماً مع العصر من جيل الآباء والأجداد.. فلماذا لا نصدقهم؟

افلا شيء يبقى جامداً تحت شمس هذا الكون. والتطور حق لكل البشر وسنة الله في خلقه، فلماذا لا يكون من حق الاخوان المسلمين؟ ولكن المشكلة هي ان الاسم لا يزال يثير الرعب وأعتقد شخصياً انه اصبح عالة على هذا التنظيم الديني ـ السياسي الكبير. وربما لهذا السبب فإن الاخوان المسلمين الأتراك أو المغاربة ما عادوا يسمون أنفسهم بالاخوان المسلمين وانما بتسمية لبقة وعصرية: حزب العدالة والتنمية.

واما الاردنيون فأصبحوا يدعون أنفسهم بحزب جبهة العمل الاسلامي. وهي تسمية جميلة في رأيي وناجحة.

وقد وصل الأمر بالأصوليين التوانسة الى حد تسمية أنفسهم بحزب النهضة!! لا أكثر ولا أقل..

وحدهم الاخوان المسلمون السوريون أو المصريون او سواهم لا يزالون مصرين على التسمية العتيقة على الرغم من ان بعض المثقفين العلمانيين كعبد الرزاق عيد مثلاً اقترح عليهم تغيير اسمهم لكي تنزاح هالة السرية والدموية والرعب عنهم. وأعتقد انه محق في ذلك.

فلماذا لا يمشون على خطى طيب رجب أردوغان وعبد الله غول وبقية الحركات الاسلامية المعتدلة في المشرق والمغرب؟ ولكن الاصولية التركية التي نجحت في امتحان الحداثة العسير استفادت من الجو العلماني السائد في تركيا منذ تأسيس الجمهورية على يد مصطفى كمال اتاتورك قبل حوالي القرن تقريباً. او قل إن العلمانية الكمالية المحروسة من قبل الجيش والطبقات المثقفة والبورجوازية المستنيرة هي التي تجبرهم على تقديم بعض التنازلات المهمة للحداثة. يضاف الى ذلك ان ضغط الاتحاد الاوروبي المستمر عليهم كان عاملاً حاسماً في الابتعاد عن التشريعات القمعية القروسطية للفقه الظلامي والاقتراب من التشريعات الليبرالية الحديثة التي تحترم حقوق الانسان وكرامته.

مهما يكن من أمر فإن التسميات على أهميتها ليست هي الاساس، وانما ما يقبع خلفها من أفكار وممارسات عملية على ارض الواقع. فكل شخص يستطيع ان يخلع على نفسه أجمل تسمية في العالم كما فعلت الحركة الاصولية التونسية مثلاً ولكن العبرة في الفعل لا في الاسم. واذا كان الاخوان المسلمون يحظون بشعبية كبيرة في بعض البلدان فذلك عائد إلى عوامل سلبية في الواقع اكثر مما هي عوامل ايجابية وأولها بالطبع فساد كثير من الأنظمة الحاكمة وفقدانها مصداقيتها بعد ان انتشرت فيها ممارسات الرشوة والمحسوبية والغنى غير المشروع الى اقصى حد ممكن.. انظر حكاية عبد الحليم خدام مع النظام الذي كان أحد أركانه حتى الأمس القريب. وانظر الى اي درجة وصل بعض قادة الأحزاب التقدمية التي كانت يوماً ما حزباً طليعياً له علاقة بآلام الفقراء والفلاحين. ولكن لست متفاجئاً بأي شيء. فأنا أعتبر ان صلاح العرب لن يبتدىء قبل عام 2096 هذا اذا ابتدأ... (أعتذر عن المبالغة، ولكن..) واما ثانيها، اي ثاني العوامل التي أدت الى شعبية الاخوان المسلمين، فيعود الى فشل الاتجاه المعاكس للأنظمة: اي مشروع بن لادن والظواهري والزرقاوي.. فالواقع انه من كثرة تطرف هؤلاء ووحشيتهم ودمويتهم راح الاخوان المسلمون الكلاسيكيون يبدون وكأنهم ملائكة! او قل بدوا واقعيين، معتدلين، مسؤولين. ولذا فإن الجماهير المتدنية راحت تلقي بنفسها في أحضانهم بعد ان خافت من مواصلة السير وراء بن لادن.

فالاخوان المسلمون بدوا للتو وكأنهم عقلانيون يرفضون المغامرة او المقامرة على هذا النحو الخطر واللامسؤول وغير المضمون العواقب. وبالتالي فكان متوقعا ان تكبر شعبيتهم بعد ان فشل الخط الانتحاري لبن لادن. ولكن شعبيتهم ضعفت كثيرا في فترة من الفترات عندما توهم الكثيرون في الشارع الاسلامي أن بن لادن قد ينجح وعندئذ خاف الاخوان على انفسهم ولو للحظة.. ثم سرعان ما تبخر هذا الوهم كالسراب، ولذلك عاد الناس الى حظيرة الاخوان من جديد. نقول ذلك على الرغم من ان كل الحركات المتطرفة خرجت من معطف الاخوان المسلمين ومن كتابات سيد قطب وأخيه محمد قطب على وجه التحديد. هذا من جملة آخرين كثيرين.

ولكن لا ينبغي ان نفهم من هذا الكلام ان كل الشعب اصبح اخوان مسلمين! فأولا كل الاقليات الدينية او المذهبية داخل العالم العربي ـ تقف بالضرورة خارج حركة الاخوان المسلمين.

انظر حالة المسيحيين العرب والطوائف الشيعية كلها. وحتى داخل الشارع السني فان كل الشرائح التحديثية والليبرالية تقف خارج هذا التيار القائم عموما على الاكراه في الدين والطابع التوتاليتاري لكيفية فهمهم للاسلام او تأويل رسالته. وبالتالي فلا ينبغي ان نبالغ في اهمية الاخوان المسملين كما لا ينبغي ان نقلل من اهميتهم او حجم شعبيتهم.

وفي رأيي انهم ينتعشون الآن لسببين رئيسيين: الاول هو فقدان الاحزاب العلمانية لمصداقيتها بسبب فشلها في انجاز التحديث وتحقيق العدالة الاجتماعية. والثاني هو مرور العالم العربي بأزمة مخيفة أدت الى زعزعته او زلزلته نفسيا. والناس في مثل هذه الحالة يلتجئون عادة الى الدين الذي يشكل أعمق طبقة من طبقات الوعي الجماعي وأكثرها رسوخا وصلابة.

وبالتالي فالاخوان يقطفون الآن ثمار الفشل الذريع الذي منيت به الحركات الايديولوجية السابقة: كاليبرالية والقومية العربية والماركسية واليسارية السطحية عموما. هذا بالاضافة الى انكسار المشروع القومي العربي في مواجهة المشروع الصهيوني اليهودي ووضعهم من هذه الناحية يشبه وضع اليمين المتطرف في فرنسا. فهو لا يزدهر الا في اوقات الازمات والخوف من المستقبل.

ولكني اعتقد ان مرحلة ازدهار شعبيتهم لن تدوم الى الأبد. فالاخوان المسلمون اذا لم يقوموا بالاصلاح الديني كما فعل الاخوان المسيحيون في اوروبا او على الاقل اخوان تركيا، لن يستطيعوا تقديم اي مشروع قابل للحياة في المستقبل، ولهذا السبب فسوف يصطدمون من جديد بكل القوى الطامحة الى الحداثة والحرية على المستوى الداخلي. كما وسيصطدمون بقوى العولمة الكونية على المستوى الخارجي. واذا كان الغرب الاوروبي ـ الاميركي قد قبل مؤخرا بأن يدخلوا اللعبة السياسية فذلك لكي يضرب عصفورين او ثلاثة بحجر واحد. الاول هو تحجيم تيار بن لادن الذي يعتبر اكثر تطرفا منهم وان كان من نفس المعدن. والثاني هو اجبارهم على تجديد الفقه الاسلامي وكيفية فهمهم للدين عن طريق الاحتكاك بضراوة الواقع وتحمل المسؤولية. والثالث هو توسيع القاعدة الشعبية للانظمة الحالية التي تقلصت قاعدتها بسبب الفساد الى حد مخيف فعلا. وبالتالي فإن ادخالهم في اللعبة السياسية سوف يخفف من حدة الاحتقان الداخلي الذي وصل الى حافة الانفجار.